للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مثل (١) سبحانه وتعالى حالهم وحال أعمالهم التي يعملونها في الدنيا من صلة وصدقة وعتاقة ونحو ذلك من المحاسن التي لو عملوها مع الإيمان .. لنالوا ثوابها بحال قوم خالفوا سلطانهم، واستعصوا عليه، فقصد إلى ما تحت أيديهم من الدار والعقار ونحوهما، فهدمها ومزقها وأبطلها بالكلية ولم يبق لها أثرًا؛ أي: قصدنا إليها، وأظهرنا بطلانها بالكلية لعدم شرط قبولها، وهو الإيمان, فليس هناك قدوم على شيء ولا نحوه، وهذا هو تشبيه الهيئة بالهيئة، فهو استعارة تمثيلية، وفي مثله تكون المفردات مستعملة في معانيها الأصلية، وشبه أعمالهم المحبطة بالغبار في الحقارة وعدم الجدوى، ثم بالمنثور منه في الانتشار بحيث لا يمكن نظمه.

٢٤ - وبعد أن بين سبحانه حال الكافرين يومئذ .. ذكر حال أضدادهم المؤمنين، فقال: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} وهم المؤمنون {يَوْمَئِذٍ}؛ أي: يوم إذ يرون الملائكة ويقولون: حجرًا محجورًا، وهو يوم القيامة {خَيْرٌ} من المجرمين {مُسْتَقَرًّا}: تمييز؛ أي: من جهة المكان الذي (٢) يكونون فيه في أكثر أوقاتهم يتجالسون ويتحادثون فيه {وَأَحْسَنُ مَقِيلًا}؛ أي: من جهة المكان الذي يأوون إليه للاسترواح إلى أزواجهم، ولا نوم في الجنة، ولكنه سمي مكان استراحتهم إلى الحور مقيلًا على طريق التشبيه، وروي أنه يفرغ من الحساب في نصف ذلك اليوم، فيقيل أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار. وفي لفظ الأحسن تهكم بهم، قال الأزهري: القيلولة عند العرب الاستراحة نصف النهار إذا اشتد الحر وإن لم يكن مع ذلك نوم. قال النحاس: والكوفيون يجيزون العسل أحلى من الخل.

فإن قلت (٣): كيف يكون أصحاب الجنة خيرًا مستقرًا من أهل النار ولا خير في النار، ولا يقال: العسل أحلى من الخل؟

قلتُ: إنه من قبيل التقريع والتهكم كما في قوله تعالى: {قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ


(١) روح البيان.
(٢) النسفي.
(٣) روح البيان.