للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إعراضهم صريحًا عن التحاكم إلى كتاب الله ورسوله، إثر بيان إعراضهم عن ذلك في ضمن التحاكم إلى الطاغوت؛ أي: وإذا قيل لأولئك الزاعمين للإيمان الذين يريدون التحاكم إلى الطاغوت {تَعَالَوْا} وأقبلوا {إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} في "القرآن" لنعمل به، ونحكمه فيما بيننا {وَإِلَى الرَّسُولِ} محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، ليحكم بيننا بما أراه الله تعالى {رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا}؛ أي: رأيت يا محمد هؤلاء المنافقين الزاعمين للإيمان، وأبصرتهم حال كونهم يعرضون عن حكمك إعراضًا كليًّا متعمدًا منهم، فذكر المصدر للتأكيد، وهذه الآية مؤكدة لما دلت عليه الآية التي قبلها، من نفاق هؤلاء الذين يرغبون عن حكم الله وحكم رسوله إلى حكم الطاغوت من أصحاب الأهواء؛ لأن حكم الرسول لا يكون إلا حقًّا متى بينت الدعوى على وجهها، وأما حكم غيره بشريعته فقد يقع فيه الخطأ، بجهل القاضي بالحكم، أو بجهل تطبيقه على الدعوى، وهي أيضًا دالة على أن من أعرض عن حكم الله متعمدًا ولا سيما بعد دعوته إليه وتذكيره به، فإنه يكون منافقًا لا يعتقد ما يزعمه من الإيمان، ولا ما يدعيه من الإِسلام.

وقرأ الحسن {تعالوا} بضم اللام على أنه حذف منه لام الفعل اعتباطًا بل تخفيفًا، ثم ضم اللام لمناسبة واو الضمير بناء على أن أصله {تعاليوا} من تعاليت، والوجه فتح اللام كقراءة الجمهور.

٦٢ - والاستفام في قوله: {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ} للتعجب؛ أي: فكيف حال هؤلاء المنافقين، أو كيف يصنعون إذا أصابتهم مصيبة من مصائب الدنيا والآخرة، ووقعت عليهم بلية وعقوبة لا يقدرون على دفعها، وقيل المصيبة: هي قتل عمر ذلك المنافق، {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ}؛ أي: بسبب ما عملته واقترفته أيديهم من الإعراض عن حكمك والتحاكم إلى غيرك، وأطلعك الله على شأنهم في إعراضهم عن حكم الله، وتبين أن عملهم يكذب دعواهم الإيمان، {ثُمَّ} اضطروا إلى الرجوع إليك لتكشف عنهم ما نزل بهم من المصيبة، و {جَاءُوكَ} معتذرين عن صدودهم حالة كونهم {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ}؛ أي: يقسمون باسم الله تعالى، قائلين والله {إنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا}؛ أي: ما قصدنا بالتحاكم إلى غيرك إلا إحسانًا وإصلاحًا في معاملتنا، لا إساءة بك، وإلا توفيقًا بين الخصمين وقطعًا للمنازعة بينهما، لا مخالفة لك في