للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال يحيى بن معاذ رحمه الله تعالى: غرني برك سالفًا وآنفًا:

يَقُوْلُ مَوْلَايَ أَمَا تَسْتَحِيْ ... مِمَّا أَرَى مِنْ سُوْءِ أَفْعَالِكَ

فَقُلْتُ يَا مَوْلَايَ رِفْقًا فَقَدْ ... أَفْسَدَنِيْ كَثْرَةُ إِفْضَالِكَ

وقرأ الجمهور (١): {مَا غَرَّكَ} فـ {مَا} استفهامية، وقرأ ابن جبير والأعمش {ما أغرك} بهمزة فاحتمل أن يكون تعجبًا، واحتمل أن تكون {مَا} استفهامية، و {أغرك} بمعنى أدخلك في الغرة.

٧ - {الَّذِي خَلَقَكَ}، أي: أوجدك وأنشأك من نطفة ولم تك شيئًا، فهو صفة (٢) ثانية مقررة للربوبية، مبينة للكرم؛ لأن الخلق إعطاء الوجود، وهو خير من العدم، منبهة على أن من قدر على الخلق وما يليه بدءًا .. قدر عليه إعادة؛ أي: خلقك بعد أن لم تكن شيئًا {فَسَوَّاكَ}؛ أي: جعلك إنسانًا سويًا تامًا، تسمع وتبصر وتعقل، أو جعل أعضاءك سوية سليمة معدة لمنافعها؛ أي بحيث يترتب على كل عضو منها منفعته التي خلق ذلك العضو لأجلها، كالبطش لليد، والمشي للرجل، والتكلم للسان، والإبصار للبصر، والسمع للأذن إلى غير ذلك {فَعَدَلَكَ}؛ أي: جعلك معتدلًا قائمًا حسن الصورة، أو عدل بعض تلك الأعضاء ببعض؛ أي: جعل بعضها معادلة مساوية للبعض الآخر، بحيث اعتدلت وتماثلت ولم تتفاوت، مثل أن تكون إحدى اليدين أو الرجلين والأذنين أطول من الأخرى، أو تكون إحدى العينين أوسع من الأخرى، أو بعض الأعضاء أبيض وبعضها أسود، أو بعض الشعر فاحمًا وبعضه أشقر.

قال علماء التشريح: إنه تعالى ركب جانبي هذه الجثة على التساوي حتى إنه لا تفاوت بين نصفيه، لا في العظام، ولا في أشكالها، ولا في الأوردة والشرايين والأعصاب النافذة فيها والحاجة منها، فكل ما في أحد الجانبين مساوٍ لما في الجانب الآخر. اهـ. ويقال: عدله عن الطريق؛ أي: صرفه، فيكون المعنى: فصرفك عن الخلقة المكروهة التي هى لسائر الحيوانات، وخلقك خلقة حسنة مفارقة لسائر الخلق، كما قال تعالى: {فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}.


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.