للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال بعضهم: الحفيظ (١): هو الذي يحفظ كل شيء على ما هو به، والحفيظ من العباد: من يحفظ ما أمر بحفظه من الجوارح والشرائع والأمانات والودائع، ويحفظ دينه عن سطوة الغضب وخلابة الشهوة وخداع النفس وغرور الشيطان، فإنه على شفا جرف هار، وقد اكتفنته هذه الملكات المفضية إلى البوار، قال بعضهم: أسباب الحفظ: الجدّ والمواظبة، وترك المعاصي, واستعمال السواك، وتقليل النوم، وصلاة الليل، وقراءة القرآن نظرًا وغير ذلك.

٢٢ - {قُلِ} يا محمد للمشركين إظهارًا لبطلان ما هم عليه، وتبكيتًا لهم {ادْعُوا}؛ أي: نادوا {الَّذِينَ زَعَمْتُمْ}؛ أي: زعمتموهم آلهة ومفعولا {زعم} محذوفان لدلالة السياق عليهما، فحذف الأول وهو الضمير الراجع الموصول تخفيفًا؛ لطول الموصول بصلته، والثاني - وهو آلهة - لقيام صفته, أعني: قوله: {مِنْ دُونِ اللَّهِ} مقامه، والمعنى: ادعوا الذين عبدتموهم من دون لله فيما يهمكم من جلب نفع ودفع ضر لعلَّهم يستجيبون لكم إن صحّ دعواكم.

أي: قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين من قومك موبخًا لهم، ومبينًا لهم سوء ما يصنعون: ادعوا هؤلاء الأصنام في مهام أموركم ليدفعوا الضرّ عنكم، أو يجلبوا النفع لكم لعلهم يستجيبون لكم، إن كان ذلك مكنتهم، وبيدهم مقاليد أموركم، ثم أبان خطأهم، وعظيم جرمهم فقال: {لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ}؛ أي: هؤلاء الآلهة لا يملكون وزن نملة صغيرة، أو وزن هباء كائنة {فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} من خير وشر، ونفع وضرّ، فكيف يكونون آلهة يرجى منهم نفع، أو يخشى منهم ضرّ؛ أي: لا يقدرون فيهما أمرًا ما من الأمور, فنفى عنهم ملك مثقال ذرّة، وإذا انتفى ملك الأحقر .. فملك الأعظم أولى, وذكر (٢) السموات والأرض لقصد التعميم عرفًا، يعني: أن أهل العرف يعبّرون بهما عن جميع الموجودات، كما يعبّرون بالمهاجرين والأنصار عن جميع الجماعة, أو لأن آلهتهم بعضها سماويّة كالملائكة والكواكب، وبعضها أرضية كالأصنام, أو لأن الأسباب القريبة للخير والشرّ سماوية وأرضية، ونحو الآية قوله: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ}.


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.