للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كما جاء في الحديث: «لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم»، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: «فمن؟». رواه الشيخان. ورأس البلية في هذا الابتداع القول في الدين بالرأي، فما من أحد يبتدع، أو يتبع مبتدعا إلا استدل على بدعته بالرأي. وقد ظهرت مبادىء هذه البدع والأهواء في القرون الأولى قرون العلم بالسنة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما زال أمرها يستفحل حتى وصلت إلى ما نراه الآن. وما شرع (١) من اجتهاد الرأي في حديث معاذ وغيره؛ فهو خاص بالقضاء لا بأصول الدين وعباداته، فقد أكمل الله دينه، فلم يترك فيه نقصا يكمله غيره بظنه ورأيه بعد وفاة رسوله، وليس لقاض ولا مفت أن يسند رأيه الاجتهادي إلى الله، فيقول: هذا حكم الله، وهذا دينه، بل يقول: هذا مبلغ اجتهادي، فإن كان صوابا فمن توفيق الله وإلهامه، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان.

والخلاصة: أنه لا ينبغي لأحد أن يحرم شيئا تحريما دينيا على عباد الله، أو يوجب عليهم شيئا إلا بنص صريح عن الله ورسوله، ومن تهجم على ذلك .. فقد جعل نفسه شريكا لله، ومن تبعه في ذلك .. فقد جعله ربا له، ومن ثم كان فقهاء الصحابة والتابعين يتحامون القول في الدين بالرأي، وقد أنكر الله سبحانه وتعالى على من نسب إلى دينه تحليل شيء أو تحريمه من عنده بلا برهان، فقال:

{وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ}.

وهذه الجنايات الخمسة المذكورة في هذه الآية أصول الجنايات، وأما غيرها فهي كالفروع.

٣٤ - {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ}: من الأمم التي كذبت الرسل {أَجَلٌ}؛ أي: وقت معين لهلاكها {فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ}؛ أي: وقت هلاكهم؛ أي: أجل واحد اندرج تحت الأمة {لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً}؛ أي: لا يتركون بعد الأجل طرفة عين {وَلا


(١) المراغي.