للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على وجه التفصيل بيانًا شافيًا، كما ينبىء عنه صيغة التفعيل في الفعلين، {وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} فيما نُزِّل إليهم، فينتبهوا لما فيه من العبر، ويحترزوا عما يؤدي إلى مثل ما أصاب الأولين من العذاب.

والمعنى: أي (١) وأنزلنا إليك القرآن تذكيرًا وعظةً للناس، لتُعرِّفهم ما أنزل إليهم من الأحكام والشرائع، وأحوال القرون المهلكة بأفانين العذاب جزاء عنادهم مع أنبيائهم وتبين لهم ما أشكل عليهم من الأحكام، وتفصل لهم ما أجمل بحسب مراتبهم في الاستعداد والفهم لأسرار التشريع، {وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}؛ أي: وتوقعًا منك وانتظارًا لتفكرهم في هاتيك الأسرار والعبر، وإبعادًا لهم عن سلوك سبيل الغابرين من المكذبين، حتى لا يصيبهم مثل ما أصابهم.

٤٥ - ثم حذرهم وخوفهم مغبة ما هم فيه من العصيان والكفر فقال: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ} والهمزة (٢) فيه للاستفهام التوبيخي التقريعي المضمن للإنكار داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف المنسحب عليه النظم الكريم؛ أي: أنزلنا إليك الذكر لتبين لهم مضمونه، الذي من جملته أنباء الأمم المهلكة بفنون العذاب، ولم يتفكروا في ذلك؛ أي: ألم يتفكروا {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ} اهـ "أبي السعود". والتقدير: أيُعْرِضُ الذين فعلوا المكرات السيئات برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دار الندوة من تقييده أو قتله، أو إخراجه من مكة كما ذكر في الأنفال، ومكروا بأصحابه حين راموا صدهم عن الإيمان عن التذكر في هذا الذكر المشتمل على أنباء الأمم المهلكة؛ أي: أأعرض هؤلاء الماكرون عن التفكر فيه فأمنوا {أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ}؛ أي: أن يغور الله بهم الأرض، حتى يدخلوا فيها إلى الأرض السفلى، كما فعل بقارون وأصحابه، والإنكار (٣) موجه إلى المعطوفين معًا.

وذكر بعضهم أن الكركي لا يطأ الأرض بقدميه بل بإحداهما، فإذا وطئها .. لم يعتمد عليها خوفًا أن تخسف الأرض، فإذا لم يأمن الطير من الخسف .. فما


(١) المراغي.
(٢) أبي السعود.
(٣) روح البيان.