للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ستر على ما كان منهم، من إعطاء المشركين ما أرادوا منهم من كلمة الكفر بألسنتهم، وهم لغيرها مضمرون، وللإيمان معتقدون، رحيم بهم أي: يعاقبهم عليها مع إنابتهم إليه وجميل صنعهم من بعد.

وقرأ الجمهور (١): {فتنوا} مبنيًّا للمفعول؛ أي: بالعذاب والإكراه على كلمة الكفر، وقرأ ابن عامر: {فُتِنُوا} مبنيًّا للفاعل، والظاهر أن الضمير عائد على الذين هاجروا، فالمعنى: فتنوا أنفسهم بما أعطوا المشركين من القول، كما فعل عمار.

١١١ - وقوله: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ} منصوب على الظرفية برحيم، والمعنى: إن ربك لغفور رحيم بهؤلاء يوم تأتي كل نفس تخاصم عن نفسها، وتحاج عنها إلخ، أو على المفعول به، وناصبه اذكر محذوفًا؛ أي: اذكر يا محمَّد قصة يوم تأتي كل نفس، وهو يوم القيامة، حالة كونها {تُجَادِلُ} وتخاصم وتدافع {عَنْ نَفْسِهَا}؛ أي: عن ذاتها، فالنفس (٢) الأولى بمعنى الجملة، والثانية بمعنى العين والذات، والمعنى: اذكر يا محمَّد أو يا كل من يصلح للخطاب يوم (٣) يأتي كل إنسان حالة كونه يجادل ويخاصم عن ذاته، يسعى في خلاصها بالاعتذار عما أسلفت في الدنيا من عمل، كقولهم: {هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا} و {مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}، لا يهمه شأن غيرها من ولد ووالد وقريب، فيقول: نفسي نفسي، وذلك حين زفرت جهنم زفرة فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا على ركبتيه، حتى خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، وقال: رب نفسي؛ أي: أريد نجاة نفسي.

{وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ} برةٍ أو فاجرةٍ؛ أي: تعطى كل نفس وافيًا كاملًا {مَا عَمِلَتْ}؛ أي: جزاء ما عملت، بطريق إطلاق اسم السبب على المسبب إشعارًا بكمال الاتصال بين الأجزية والأعمال، وإيثار الإظهار على الإضمار للإيذان باختلاف وقتي المجادلة والتوفية، وإن كانتا في يوم واحد {وَهُمْ}؛ أي: والحال


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.