للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومناسبة هذه الآية لما قبلها (١): أنّ بين موسى وشعيب عليهما السلام مصاهرة - كما حكى الله تعالى في كتابه - ونسبا لكونهما من نسل إبراهيم، ولما استفتح قصة نوح بأرسلنا بنون العظمة .. أتبع ذلك قصة موسى فقال: {ثُمَّ بَعَثْنا}، ذكره أبو حيان في «البحر».

وعبارة «المراغي» هنا: هذه هي القصة السادسة من قصص الأنبياء التي ذكرت في هذه السورة، وفيها من الإيضاح والتفصيل ما لم يذكر في غيرها؛ لأن معجزات موسى كانت أقوى من معجزات غيره ممن سبق ذكرهم، وجهل قومه كان أفحش، وقد ذكرت قصته في عدة سور مكية بين مطولة ومختصرة، وذكر اسمه في سور كثيرة، زادت على مئة وثلاثين مرة، وسر هذا أنّ قصته أشبه قصص الرسل بقصص النبي صلى الله عليه وسلّم، إذ أنّه أوتي شريعة دينية دنيوية، وكوّن الله تعالى به أمة عظيمة، ذات ملك ومدنية.

التفسير وأوجه القراءة

١٠٣ - {ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى}؛ أي: ثمّ بعثنا من بعد نوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم السلام، أو من بعد إهلاك الأمم المذكورة؛ أي: ثم بعدما فرغنا من ذكر قصص الأنبياء المذكورين وأممهم، نذكر قصة موسى وقومه فنقول: وعزتي وجلالي لقد أرسلنا موسى بن عمران من بعد إرسالنا لهؤلاء الرسل المذكورين في هذه السورة، وإهلاك أممهم، وقطع دوابرهم، حالة كونه مؤيدا {بِآياتِنا} ومعجزاتنا التسع، وملتبسا بأدلتنا وحججنا الدالة على صدقه، مثل العصا واليد، وغيرهما من الآيات التي جاء بها موسى عليه السلام، كما سيأتي التعبير عنها بهذا العدد في سورة الإسراء إن شاء الله تعالى: {إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ}؛ أي: أشراف قومه، وتخصيصهم (٢) بالذكر مع عموم الرسالة لهم ولغيرهم؛ لأنّ من عداهم كالأتباع لهم، سموا (٣) ملأ لأنّهم يملؤون المجالس بأجرامهم،


(١) البحر المحيط.
(٢) الشوكاني.
(٣) أبو السعود.