عند سماعه إياها .. ذكر هنا ما يخفف عنه ما يلاقيه منهم من سوء الأدب ومن الهزء والسخرية، فأبان له أنك لست ببدع من الرسول، فإن كثيرًا منهم لاقوا من أقوامهم مثل ما لاقيت، بل أشد من ذلك وأنكى، فأنزل الله بهم من العذاب ما يستحقونه كفاء أفعالهم الشنيعة، وجرأتهم على من اصطفاهم ربهم من خلقه، ثم أمر هؤلاء المكذبين بأن يسيروا في الأرض ليروا كيف كان عاقبة المكذبين لأنبيائه.
أسباب النزول
وأما الأسباب: فلم يكن لهذه الآيات سبب لنزولها؛ لأنها إنما نزلت لتعليم العباد كيف يحمدونه فكأنه قال: قولوا يا عبادي عند حمدي وثنائي: الحمد لله. وقال أهل المعاني: لفظه خبر، ومعناه أمر، والمعنى: احمدوا الله سبحانه وتعالى لذاته، وعلى نعمه.
التفسير وأوجه القراءة
١ - {الْحَمْدُ لِلَّهِ}؛ أي: جنس الحمد بأنواعه، وكل الشكر على نعمه مستحق لله {الَّذِي} خلقكم أيها الناس من نفس واحدة و {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}؛ أي: أوجد وأبدع السموات السبع والأرضين السبعة على غير مثال، فهو سبحانه وتعالى هو المستحق عليكم الحمد والشكر على نعمه، لا ما تعبدون من دونه وتجعلونه شريكًا له من خلقه. والمراد بالسموات والأرض: العوالم العلوية التي يرى كثير منها فوقنا، وهذا العالم السفلي الذي نعيش فيه.
وإنما قدم (١) السموات على الأرض لشرفها؛ لأنها متعبد الملائكة، ولم تقع فيها معصية، والأرض وإن كان فيها الأنبياء، لكنها احتوت على الأشرار والمفسدين، ولتقدم وجودها على وجود الأرض كما قاله القاضي. ومراده أن السموات على هذه الهيئة مقدمة على الأرض الكائنة على هذه الهيئة الموجودة؛ لأنه تعالى قال في سورة النازعات: {أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (٢٧) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (٢٩) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (٣٠)}، فإنه صريح في أن بسط الأرض