على العالمين؛ بما خصهم من النبوة والرسالة والخصائص الروحانية والجسمانية، ولذلك قووا على ما لم يقوَ عليه غيرهم.
٣٤ - {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ}؛ أي: اصطفى الآلين حالة كونهم ذرية بعضها، متناسلون من بعض في النسب، وقيل: بعضها من بعض من التناصر والتعاضد، وقيل: متجانسين في الدين والتقى والصلاح، فكما أن الأصول أنبياء ورسل، وكذلك الذريةَ بل في بعضها ما يفوق الأصول جميعًا كمحمد - صلى الله عليه وسلم -. {وَاللَّهُ} سبحانه وتعالى {سَمِيعٌ} لأقوال العباد {عَلِيمٌ} بنياتهم وضمائرهم وأفعالهم، وإنما يصطفي من خلقه من يعلم استقامته قولًا وفعلًا، وقيل: معناه: والله سميع لمقالة اليهود: نحن من ولد إبراهيم ومن آل عمران، فنحن أبناء الله وأحباؤه، وعلى دينه، ولمقالة النصارى: المسيح ابن الله، عليم بعقوبتهم.
٣٥ - واذكر لهم يا محمَّد قصة {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ} حنة بنت فاقوذ، أم مريم حين شاخت، وكانت يومًا في ظل شجرة، فرأت طائرًا يطعم فرخًا له ويسقيه، فعطفت، واشتاقت للولد من أجل رؤية ذلك الطائر، فدعت ربها أن يرزقها ولدًا، ونذرت أن تهبه لبيت المقدس يخدمه، وكان ما من رجل من أشراف بيت المقدس إلا وله ولد منذور لخدمته، فاستجاب الله دعاءَها، فحملت بمريم، فلما أحسَّت بالحمل .. جددت النذر ثانيًا، فقالت: يا {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا}؛ أي: أوجبت على نفسي أن أجعل ما في بطني من الحمل محررًا لك، عتيقًا من أمر الدنيا لطاعتك، ومخلصًا لعبادتك وخادمًا لمن يدرس الكتاب ويعلم في بيت المقدس {فَتَقَبَّلْ مِنِّي}؛ أي: خذ منى ما نذرته لك على وجه الرضا {إِنَّكَ} يا إلهي {أَنْتَ السَّمِيعُ} لتضرعي ودعائي وندائي {الْعَلِيمُ} بما في ضميري وقلبي ونيتي، وكان على أولادهم فرضًا أن يطيعوهم في نذرهم، فتصدقت بولدها على بيت المقدس، فلامها زوجها على ذلك؛ حيث أطلقت في نذرها، ولم تقيد بالذكر، فبقيت في حيرة وكرب إلى أن وضعت ومات زوجها
٣٦ - {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا}؛ أي: ولدت المنذورة التي في بطنها {قَالَتْ} على وجه التحسر والاعتذار {رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا}؛ أي: ولدت المنذورة التي في بطني حالة كونها {أُنْثَى} قال ابن عباس رضي الله عنهما: إنما قالت هذا؛ لأنه لم يكن يُقبل في النذر إلا الذكور، قال