٨٢ - و {اسأل} أهل {الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا} نمتار {فِيهَا} عن كنه هذه القصة؛ ليتبين لك صدقنا، فقد اشتهر فيهم أمر هذه السرقة حتى لو سئلوا لشهدوا، واسأل {وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا}؛ أي: واسأل أصحاب العير والإبل الذين كانوا يمتارون معنا وجئنا معهم، وهم قوم من كنعان من جيران يعقوب عليه السلام، ثم أكدوا صدق مقالهم بقولهم:{وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} فيما أخبرناك به سواء أسألت غيرنا، أم لم تسأل؛ إذ أن من عادتنا الصدق، فلا نخبرك إلا به، ولا نظنك في مرية من هذا، فرجع الأخوة التسعة إلى أبيهم، فقالوا له ما قال كبيرهم، فلم يصدقهم فيما قالوا،
٨٣ - بل {قاَلَ} لهم أبوهم يعقوب عليه السلام {بَلْ سَوَّلَتْ} وزينت {لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا}؛ أي: كيدًا آخرًا، وهو إخراج بنيامين عني إلى مصر طلبًا للمنفعة، فعاد من ذلك ضرر فنبذتموه، ومما يقوي ذلك عندي أنكم لقنتم ذلك الملك حكم شريعتنا، وأفتيتموه بأن جزاء السارق أن يؤخذ ويسترق، وإلا فما يعرف الملك أن السارق يؤخذ بسرقته؛ لأن ذلك إنما هو من دين يعقوب لا من دين الملك، ولولا فتواكم وتعليمكم لما حكم الملك ذلك {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ}؛ أي: فحالي على ما نالني من فقده صبر جميل لا جزع فيه ولا شكاية فيه لأحد، بل أشكوا إلى الله وحده وأعلق رجائي به.
{عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا}؛ أي: حقق الله سبحانه وتعالى أن يرجع إليَّ يوسف وبنيامين والأخ الثالث الباقي بمصر، وقد كان لديه إلهام بأن يوسف لم يمت وإن غاب عنه خبره، وإنما قال يعقوب هذه المقالة؛ لأنه لما طال حزنه واشتد بلائه، ومحنته علم أن الله سيجعل له فرجًا ومخرجًا عن قريب، فقال ذلك على سبيل حسن الظن بالله عَزَّ وَجَلَّ؛ لأنه إذا اشتد البلاء وعظم كان أسرع إلى الفرج. {إِنَّهُ} سبحانه وتعالى {هُوَ الْعَلِيمُ} بفقدي لهم وحزني ووجدي عليهم، وله فينا حكمة بالغة {الْحَكِيمُ} في أفعاله فيبتلي ويرفع البلاء على مقتضى سننه وحكمته في تدبير خلقه، وقد جرت سنته أنَّ الشدة إذا تناهت جعل وراءها فرجًا، والمصيبة إذا عظمت جعل بعدها المخلص منها كما قال: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٦)}.