{وَقالَ مُوسى} حين أراد الذهاب إلى الجبل لميقات ربه {لِأَخِيهِ هارُونَ} وكان أكبر منه سنا {اخْلُفْنِي}؛ أي: كن خليفتي {فِي قَوْمِي} وراقبهم فيما يأتون وما يذرون، وكانت الرياسة فيهم لموسى، وكان هارون وزيره ونصيره بسؤاله لربه حين قال: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (٢٩) هارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢)}، {وَأَصْلِحْ} ما يحتاج إلى الإصلاح من أمور دينهم وأمرهم بعبادة الله تعالى، فهي صلاحهم {وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} أي ولا تسلك سبيل من سلك الإفساد في الأرض بالمعاصي، ومن دعاك منهم إلى الإفساد فلا تتبعه ولا تطعه، واتباع سبيل المفسدين يشمل مشاركتهم في أعمالهم، ومساعدتهم عليها، ومعاشرتهم والإقامة معهم حال اقتراف الإفساد.
والمقصود (١) من هذا النهي التأكيد؛ لأنّ هارون عليه السلام لم يكن ممن يتبع سبيل المفسدين، فهو كقوله:{وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} وكقولك للقاعد: أقعد، بمعنى دم على ما أنت عليه من القعود، والمعنى: دم على عدم اتباع سبيل المفسدين.
١٤٣ - {وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا}؛ أي: لميعادنا الذي وقتنا له للكلام فيه، ولإعطاء الشريعة له، وعبارة «المراح»: ولما جاء موسى لميعادنا في مدين، في يوم الخميس، يوم عرفة، فكلمه الله تعالى فيه من غير واسطة وأعطاه التوراة صبيحة يوم الجمعة يوم النحر. انتهى.
{وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} من وراء حجاب بغير واسطة ملك؛ أي: أزال الحجاب بين موسى وبين كلامه فسمعه من جميع جهاته، استشرفت نفسه للجمع بين فضيلتي الكلام والرؤية فـ {قالَ} موسى {رَبِّ أَرِنِي} ذاتك المقدسة، واجعل لي من القوة على حمل تجليك ما أقدر به على النظر إليك، وكمال المعرفة بك؛ أي: مكنّي من رؤيتك {أَنْظُرْ إِلَيْكَ} يا إلهي {قالَ} سبحانه وتعالى لموسى: {لَنْ تَرانِي}؛ أي: إنك لا تراني الآن ولا فيما يستقبل من الزمان الدنيوي، إذ ليس لبشر أن يطيق النظر إلي في الدنيا.