القرار، وفي الآخرة، حيث يصلون نارًا تشوي الوجوه، وهيأ لهم في الآخرة عذابًا يؤلمهم، ويجعلهم في مقام الزراية والاحتقار والخزي والهوان.
٥٨ - ولما كان من أعظم أذى رسوله أذى من تابعه .. بيَّن ذلك بقوله:{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} بوجه من وجوه الأذى؛ أي: يفعلون بهم ما يتأذون به من قول أو فعل {بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا}؛ أي: بغير جناية يستحقون بها الأذية، وتقييد أذاهم به بعد إطلاقه في الآية السابقة للإيذان بأن أذى الله ورسوله لا يكون إلا غير حق، وأما أذى هؤلاء .. فقد يكون حقًا، وقد يكون غير حق، أما إذا كان بحق، كما إذا وقع من المؤمنين والمؤمنات الابتداء بشتم لمؤمن أو مؤمنة، أو ضرب، فإن القصاص من الفاعل ليس من الأذية المحرمة على أيّ وجه كان، ما لم يجاوز ما شرعه الله، والآية عامة لكل أذى بغير حق في كل مؤمن ومؤمنة، فتشمل ما روي أن عمر رضي الله عنه خرج يومًا فرأى جارية مزينة مائلة إلى الفجور، فضربها، فخرج أهلها، فآذوا عمر باللسان.
وما روي أن المنافقين كانوا يؤذون عليًا رضي الله عنه، ويسمعونه ما لا خير فيه، وما سبق من قصة الإفك حيث اتهموا عائشة بصفوان السهمي رضي الله عنهما، وما روي أنَّ الزناة كانوا يتبعون النساء إذا برزن بالليل لطلب الماء، أو لقضاء حوائجهن، وكانوا لا يتعرضون إلا للإماء، ولكن ربما كان يقع منهم التعرض للحرائر أيضًا جهلًا، أو تجاهلًا لاتحاد الكل في الزي واللباس، حيث كانت تخرج الحرة والأمة في درع وخمار، وما سيأتي من أراجيف المرجفين، وغير ذلك مما يثقل على المؤمن.
ثم أخبر عما لهؤلاء الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا، فقال:{فَقَدِ احْتَمَلُوا} واقترفوا، والاحتمال: مثل الاكتساب وزنًا ومعنى، كما في "بحر العلوم". وقال بعضهم: تحملوا. {بُهْتَانًا}؛ أي: افتراء وكذبًا عليهم. {وَإِثْمًا مُبِينًا}؛ أي: ذنبًا ظاهرًا واضحًا لا شك في كونه من البهتان والإثم.
واعلم: أن أذى المؤمنين قرن بأذى الرسول - صلى الله عليه وسلم -، كما أن أذى الرسول قرن بأذى الله، ففيه إشارة إلى أن من آذى المؤمنين .. كان كمن آذى الرسول، ومن آذى الرسول .. كان كمن آذى الله تعالى، فكما أنَّ المؤذي لله وللرسول مستحق الطرد