للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وعمّا هداهم إليه بالعقل، والمشاعر، والكتب المنزلة على من أوتوها. وفي هذا إيماء إلى أنّ علّة إضلالهم، ما كانوا عليه من الخروج عن السنن الكونية التي جعلها عبرة لمن تذكّر، فقد انصرفت أنظارهم عن التدبّر في حكمة المثل إلى حقارة الممثّل به، حتى رسخت به جهالتهم، وازدادت ضلالتهم، فأنكروه.

والفسق في اللغة (١): الخروج، وفي الشرع: الخروج عن طاعة الله بارتكاب الكبيرة التي من جملتها الإصرار على الصغيرة، وله طبقات ثلاث:

الأولى: التغابي، وهو ارتكابها أحيانا مستقبحا لها.

والثانية: الانهماك في تعاطيها.

والثالثة: المثابرة عليها مع جحود قبحها، وهذه الطبقة من مراتب الكفر، فما لم يبلغها الفاسق لا يسلب عنه اسم المؤمن، لاتصافه بالتصديق الذي يدور عليه الإيمان.

٢٧ - ثمّ زاد في ذمّ الفاسقين بذكر أوصاف مستقبحة لهم، فقال: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ} أي: يخالفون، ويتركون أمر الله تعالى {مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ}؛ أي: من بعد توثيق ذلك العهد، وتوكيده بالقبول. فالضمير للعهد، أو من بعد توثيق الله سبحانه ذلك العهد، بإنزال الكتب وإرسال الرسل، فالضمير إلى الله. فالمراد بالميثاق هنا: نفس المصدر لا نفس العهد.

أي: الذين يخالفون أمر الله ووصيّته في الكتب المتقدمة، بالإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم من بعد ميثاقه وتوكيده عليهم، وإيجاب وفائه عليهم المذكور في آية {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ} الآية.

وقيل (٢): المراد بالعهد: هو الحجة القائمة على عباده الدالّة على وجوب


(١) روح البيان.
(٢) العمدة.