للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وجوده ووحدانيته، وعلى وجوب صدق رسله. فالمعنى: الذين ينقضون كلّ عهد وميثاق من الإيمان بالله، والتصديق بالرسل، والعمل بالشرائع.

قيل (١): عهد الله ثلاثة:

الأول: ما أخذه على ذرّيّة آدم - عليه السلام - بأنّ يقرّوا بربوبيته تعالى.

والثاني: ما أخذه على الأنبياء - عليهم السلام - أن أقيموا الدين، ولا تتفرّقوا فيه.

والثالث: ما أخذه على العلماء بأن يبيّنوا الحقّ، ولا يكتموه.

والنقض: الفسخ، وفكّ التركيب.

فإن قلت: من أين ساغ استعمال النقض في إبطال العهد؟ قلت: من حيث تسميتهم العهد بالحبل على سبيل الاستعارة، لما فيه من ثبات الوصلة بين المتعاهدين.

وعبارة المراغي هنا: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ}؛ أي: (٢) الذين يستعملون المواهب التي خلقها الله لعباده من عقل، ومشاعر، وحواس ترشدهم إلى النظر والاعتبار في غير ما خلقت له، حتى كأنّهم فقدوها، كما قال: {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ}.

وهذا العهد الذي نقضوه هو العهد الفطريّ، وهناك عهد آخر جاءت به الشرائع، وهو العهد الدينيّ، وقد وثّق الله الأول بجعل العقول قابلة لإدراك السنن الإلهيّة التي في الكون، كما وثّق الثاني، بما أيّد به الأنبياء من الحجج والبراهين الدالة على صدقهم، فمن أنكر بعثة الرسل، ولم يهتد بهديهم، فهو ناقض لعهد الله، فاسق عن سننه في إبلاغ القوى البشريّة والنفسيّة حدّ الكمال الإنسانيّ الممكن لها.


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.