للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إليه من عبادة وغيرها بنشاط وخفة، ألا ترى أن الجنة نهارها دائم، إذ لا تعب فيها يحتاج إلى ليل يستريح أهلها فيه. انتهى.

٧٣ - واعلم (١): أن ذلك الشمس يدور في بعض المواضع رحويًا لا غروب للشمس فيه، فنهاره سرمدي فلا يعيش الحيوان فيه، ولا ينبت النبات فيه من قوة حرارة الشمس فيه، وكذلك يدور ذلك الشمس في بعض المواضع بعكس هذا تحت الأرض ليس للشمس فيه طلوع فليله سرمدي، فلا يعيش الحيوان أيضًا فيه، ولا ينبت النبات ثمة، فلهذا المعنى قال تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ} سبحانه وتعالى، و {مِنْ} هنا للسبب؛ أي: وبسبب (٢) رحمته إياكم {جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} أي: خلقهما لمنفعتكم.

ثم علل جعل كل واحد منهما، فبدأ بعلة الأول، وهو الليل، وهي {لِتَسْكُنُوا فِيهِ}؛ أي: في الليل، ثم بعلة الثاني، وهو النهار، وهي {وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ}؛ أي: في النهار بأنواع المكاسب، وفي هذا مدح للسعي في طلب الرزق، كما ورد في الحديث: "الكاسب حبيب الله" وهو لا ينافي التوكل.

ثم ذكر بما يشبه العلة لجعل هذين الشيئين، وهو {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}؛ أي: لكي تشكروا الله سبحانه وتعالى على هذه الرحمة والنعمة العظيمتين، وهذا النوع من علم البديع يسمى التفسير، وهو أن تذكر أشياء ثم تفسرها بما يناسبها، كما سيأتي في مبحث البلاغة إن شاء الله سبحانه.

أي (٣): ومن رحمته بكم أيها الناس جعل لكم الليل والنهار، وخالف بينهما، فجعل الليل ظلامًا لتستقروا فيه، راحة لأبدانكم من تعب التصرف نهارًا في شؤونكم المختلفة، وجعل النهار ضياء لتتصرفوا فيه بأبصاركم لمعايشكم، وابتغاء رزقه الذي قسمه بينكم بفضله، {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}؛ أي: ولتستعدوا لشكره على إنعامه عليكم، وتخلصوا له الحمد؛ لأنه لم يشركه في إنعامه عليكم


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.