وبرودة، وغيرها، وما تغير بمكثه أو بطاهر لا يمكن صونه عنه كالتراب والطحلب وورق الشجر ونحوها .. فهو طاهر في نفسه، مطهر لغيره، يرفع الأحداث ويزيل الأنجاس بالاتفاق، فإن تغير عن أصل خلقته بطاهر يغلب على أوصافه يستغني الماء عنه غالبًا .. لم يجز التطهير به عند الثلاثة، وجوّز أبو حنيفة رحمه الله الوضوء بالماء المتغير بالزعفران ونحوه من الطاهرات، ما لم تزل رقته، وقال أيضًا: يجوز إزالة النجاسة بالمائعات الطاهرة كالخل وماء الورد ونحوهما، وخالفه الثلاثة ومحمد بن الحسن وزفر كما فصل في الفقه.
فإن قلت: لم (١) وصف الماء بالطهور مع أن وصف الطهارة لا دخل له في ترتيب الأحياء والسقي على إنزال الماء؟
قلتُ: وصفه بالطهارة إشعارًا بزيادة النعمة؛ لأن وصف الطهارة نعمة زائدة على إنزال ذات الماء، وتتميمًا للمنة المستفادة من قوله:{لِنُحْيِيَ بِهِ}؛ {وَنُسْقِيَهُ} فإن الماء الطهور أهنأ وأنفع مما خالطه مما يزيل طهوريته، وتنبيهًا على أن ظواهرهم لما كانت مما ينبغي أن يطهروها كانت بواطنهم بذلك أولى؛ لأن باطن الشيء أولى بالحفظ عن التلوث من ظاهره، وذلك لأن نظر الحق جل جلاله إلى باطن الإنسان، لا ظاهره.
٤٩ - ثم ذكر سبحانه علة الإنزال، فقال {لِنُحْيِيَ بِهِ}؛ أي: بما أنزلنا من السماء من الماء الطهور {بَلْدَةً مَيْتًا}؛ أي: أرضًا يابسة، لا أشجار فيها ولا ثمار ولا مرعى، وإحياؤها: بإنبات النبات من المكان الذي لا نبات فيه. والمراد بالبلدة؛ القطعة من الأرض، عامرة كانت أو غيرها. والتذكير حيث لم يقل: بلدة ميتة؛ لأنه بمعنى البلد، أو الموضع، أو المكان، ولأنه غير جار على الفعل بأن يكون على صيغة اسم الفاعل، أو المفعول، فأجري مجرى الجامد.
وقرأ عيسى وأبو جعفر {ميّتا} بالتشديد {وَنُسْقِيَهُ}؛ أي: نسقي ذلك الماء