وعلموا أنه لا ملجأ ولا منجا لأحد من سخطه تعالى وغضبه إلا إليه تعالى، بالتوبة والاستغفار ورجاءِ رحمته، وقد أعرض عنهم رسوله البرّ الرحيم بأصحابه، فلم يكونوا يستطيعون أن يطلبوا دعاءه، واستغفاره، إلا أنه - صلى الله عليه وسلم -، لا يشفع في الدنيا، ولا في الآخرة إلا لمن ارتضى الله أن يشفع لهم.
{ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ}؛ أي: على هؤلاء الثلاثة؛ أي: ثم وفقهم التوبة الصحيحة المقبولة {لِيَتُوبُوا}؛ أي: ليحصلوا التوبة، وينشئوها، فبهذا المعنى تحصل المغايرة، ويصح التعليل. وفي "البيضاوي" ثم تاب عليهم بالتوفيق للتوبة ليتوبوا، أو أنزل قبول توبتهم ليعدوا من جملة التوابين، أو رجع عليهم بالقبول والرحمة مرة بعد أخرى، ليستقيموا على توبتهم، اهـ.
وفي "الخازن"{ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ} فيما مضى، {لِيَتُوبُوا}؛ أي: ليكون ذلك داعيًا لهم إلى التوبة في المستقبل، فيرجعوا ويداوموا عليها. وقيل: إن أصل التوبة الرجوع، ومعناه حينئذٍ: ثم تاب عليم ليتوبوا؛ أي: ليرجعوا إلى حالتهم الأولى، يعني: إلى عادتهم في الاختلاط بالناس ومكالمتهم فتسكن نفوسهم بذلك، اهـ ببعض تصرف. وفي "المراغي"{ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ}؛ أي: ثم عطف عليهم وأنزل قبول توبتهم. {لِيَتُوبُوا} ويرجعوا إليه بعد إعراضهم عن هدايته، واتباع رسوله، - صلى الله عليه وسلم -، {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى، {هُوَ التَّوَّابُ}؛ أي: الكثير القبول لتوبة التائبين، {الرَّحِيمُ}؛ أي: الكثير الرحمة للمحسنين، المتفضل عليهم بضروب النعم، مع استحقاقهم لأعظم أنواع العقاب، ولما نزلت هذه الآية، خرج رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، من حجرته وهو عند أم سلمة فقال: الله أكبر، قد أنزل الله عذر أصحابنا، فلما صلى الفجر، أخبر ذلك لأصحابه وبشرهم بأن الله تاب عليهم، فانطلقوا إلى رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، وتلا عليهم ما نزل فيهم. وقال كعب بن مالك: توبتي إلى الله، أن أخرج عن مالي صدقة، فقال: لا، قلت: فنصفه، قال: لا، قلت: فثلثه، قال: نعم. وقصتهم مشهورة مذكورة في حديث رواه البخاري وغيره،
١١٩ - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} باللهِ ورسوله، {اتَّقُوا اللَّهَ} وراقبوه بأداء فرائضه، واجتناب نواهيه، {وَكُونُوا} في الدنيا من أهل ولايته وطاعته تكونوا في