للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأرجلهم شاهدة عليهم، اهـ. وقرأ ابن أبي عبلة: {ثُمَّ اللَّهُ} بفتحِ الثاء؛ أي: هنالك. وقد جاء، بمعنى هذه الآية، قوله {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} وقوله: {وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ}.

٤٧ - {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ} من الأمم الماضية {رَسُولٌ} بعث إليهم بشريعة خاصة، مناسبة لأحوالهم، ليدعوهم إلى الحق والتوحيد {فإذا جاء رسولهم} فبلغهم ما أرسل به إليهم، فكذبه بعضهم وصدقه بعضهم، {قُضِيَ بَيْنَهُمْ}؛ أي: بين الرسول وأمته {بِالْقِسْطِ}؛ أي: بالعدل؛ أي: فصل بينهم وحكم بهلاك المكذبين له، وبنجاة الرسول ومن صدقه {وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}؛ أي: والحال أنهم لا يظلمون في ذلك القضاء بتعذيبهم؛ لأنه بجرمهم. وقيل (١)، معناه: لكل أمة يوم القيام رسول، تنسب إليه، فإذا جاء رسولهم الموقف، ليشهد عليهم بالكفر والإيمان، قُضي بينهم بإنجاء المؤمنين، وعقاب الكافرين لقوله: {وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ}.

وحاصل المعنى: أنه تعالى رحمةً بعباده، وإزالةً للحجة، جعل لكل أمة من الأمم الخالية رسولًا، بعثه فيها وقت الحاجة إليه، ليبين لهم ما يجب عليهم من الإيمان به، وباليوم الآخر، وما ينجيهم من العقاب في ذلك اليوم، وهو العمل الصالح، الذي يكون سببًا في سعادتهم في الدارين.

وفي الآية (٢): دليل على أن الله سبحانه وتعالى قد أرسل إلى كل جماعة من الأمم السالفة رسولًا، وما أهمل أمةً قط، ويدل على ذلك قوله: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} وقوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} وقوله: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}.

فإذا جاء رسولهم وبلغهم ما يجب عليهم معرفته من أمور دينه، لم يبق لهم حينئذٍ عذر في مخالفته، فهنالك في يوم الحساب يقضي الله تعالى بينهم بالعدل، ولا يظلمون في قضائه شيئًا مما سيحل بهم من عذاب، لا يكون ظلمًا لهم؛ لأنه


(١) البيضاوي.
(٢) المراغي.