للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إلا ظلُّ زائلٌ، ثم يفنى، ويبقى لهم العذاب الأليم، حين مصيرهم إلى ربهم بما اجترحوا من السيئات، ودنسوا به أنفسهم من أوضار الإثم والفجور والكذب على بارئهم، الذي خلقهم وصورهم فأحسن صورهم، ونحو الآية قوله: {نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (٢٤)}.

١١٨ - وبعد أن بين ما يحل وما يحرم لأهل الإِسلام، أتبعه ببيان ما خصَّ به اليهود من المحرمات فقال: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا}؛ أي: وعلى (١) اليهود خاصة، دون غيرهم من الأولين والآخرين {حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ} يا محمَّد بقولنا: {كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا} الآية، و {مِنْ قَبْلُ} متعلق بقصصنا؛ أي: من قبل نزول هذه الآية، أو بحرمنا؛ أي: من قبل التحريم على هذه الأمة؛ أي: وحرمنا من قبلك أيها الرسول على اليهود ما أنبأناك به من قبل في سورة الأنعام، بقولنا: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (١٤٦)}.

ثم بين السبب في ذلك التحريم عليهم فقال: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ} بتحريم ذلك عليهم، بل جزيناهم ببغيهم {وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}؛ أي: ولكن ظلموا أنفسهم بمعصيتهم لربهم، وتجاوزهم حدوده التي حدها لهم، وانتهاك حرماته، فعوقبوا بهذا التحريم، كما قال في آية أخرى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} الآية، وفي هذا إيماءٌ (٢) إلى أنَّ ذلك التحريم إنما كان للظلم والبغي عقوبة وتشديدًا، وبه يعلم الفرق في التحريم بينهم وبين غيرهم، فإنه لهم عقوبةٌ، ولنا للمضرَّة فحسب.

١١٩ - ثم بين سبحانه أن الافتراء على الله وانتهاك حرماته لا يمنع من التوبة التي يتقبلها الله منهم، ويغفر زلَّاتهم رحمةً منه وفضلًا فقال: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ} يا محمَّد {لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ} وارتكبوا السيئات من الكفر والمعاصي، متعلق بخبر


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.