قوله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (٢٧)} إذ معناه: أنهم كانوا مستمرين على الكفر مع توقع الحساب .. وافقه عدم تناهي العذاب واللبث فيها أحقابًا بعد أحقاب، ولما كانوا مبدلين التصديق الذي يروح النفس، ويثلج به الصدر بالتكذيب الذي هو ضده .. جوزوا بالحميم والغساق بدل ما يجعل للمؤمنين مما يروحهم من برد الجنة وشرابها.
وللمناسبة بين العلم والماء يعبر الماء في المنام بالعلم،
٢٧ - وبعد أن بين على طريق الإجمال أن هذا الجزاء الذي أعد لهم كان وفق جرمهم .. فصل أنواع جرائمهم، فذكر أنها نوعان فقال:
١ - {إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (٢٧)} تعليل لاستحقاقهم الجزاء المذكور، وبيان لفساد قوتهم العملية؛ أي: كانوا ينكرون الآخرة ولا يخافون أن يحاسبوا بأعمالهم، فلذا كانوا يقدمون على جميع المنكرات، ولا يرغبون في شيء من الطاعات، وفسر الرجاء هنا: بالخوف؛ لأن الحساب من أصعب الأمور على الإنسان، والشيء الصعب لا يقال فيه إنه يرجى، بل يقال: إنه يخاف ويخشى.
والمعنى: أي إنهم فعلوا من القبائح ما فعلوا، واجترحوا من السيئات ما شاءت لهم أهواؤهم؛ لأنهم ما كانوا ينتظرون يوم الحساب، ولا يتوقعونه، ورغبة المرء في فعل الخيرات، وترك المحظورات، إنما تكون غالبًا لاعتقاده أنه ينتفع بذلك في الآخرة، فمن كان منكرًا لها لا يقدم على شيء مما يحسن عمله، ولا يحجم عن أمر مما يقبح.
٢ - ٢٨ {وَكَذَّبُوا} بيان لفساد قوتهم النظرية. {بِآيَاتِنَا} الناطقة بذلك، وفي بعض التفاسير: بآياتنا القولية والفعلية الظاهرة على ألسنة الرسل وأيديهم. {كِذَّابًا}؛ أي: تكذيبًا مفرطًا، ولذلك كانوا مصرين على الكفر، وفنون المعاصي، فعوقبوا بأهول العقاب جزاءً وفاقًا، ويغالًا: من باب فعل المضعف شائع فيما بين الفصحاء، مطرد مثل: كلم كلامًا. قال في "الصحاح": {وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (٢٨)} هو أحد مصادر المشدد؛ لأن مصدره قد يجيء على تفعيل، مثل: التكليم، وعلى فعال، مثل: