للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لتركهم ما كان مفروضًا عليهم، إذ كانت الهجرة واجبة في صدر الإِسلام، فـ {مَأوَاهُمْ}: مبتدأ، و {جَهَنَّمُ}: خبره، والجملة خبر لـ {أولَئِكَ}، وهذه الجملة خبر إن، وقوله: {قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ} حال من الملائكة على تقدير قد، كما أشرنا إليه آنفًا، أو هو الخبر، والعائد منه محذوف؛ أي: قالوا لهم: {وَسَاءَتْ مَصِيرًا}؛ أي: وقبحت جهنم مصيرًا لهم؛ لأن كل ما فيها يسوؤهم.

وفي هذا (١) إيماء إلى الرجل إذا كان في بلد لا يتمكن فيه من إقامة دينه كما يجب، لبعض الأسباب، أو علم أنه في غير بلده أقوم بحق الله تعالى، وأدوم على العبادة. وجبت عليه الهجرة، أما المقيم في دار الكفر ولا يمنع ولا يؤذى إذا هو عمل بدينه، وأقام أحكامه بلا نكير، فلا يجب عليه أن يهاجر، كما هو مشاهد من المسلمين المقيمين في بلاد الإنكليز الآن، كما أن الإقامة فيها ربما كانت سببًا من أسباب ظهور محاسن الإِسلام وإقبال الناس عليه.

٩٨ - ثم استثنى أهل العذر ومن علم ضعفه منهم فقال: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ}؛ أي: فأولئك المذكورون مأواهم جهنم، إلا الذين صدقوا في استضعافهم {مِنَ الرِّجَالِ} العجزة والزمنى، كعياش بن أبي ربيعة، وسلمة بن هشام {وَالنِّسَاءِ} كأم الفضل لبابة أم عبد الله بن عباس، {وَالْوِلْدَانِ} كعبد الله المذكور وغيره، فإنه قال: كنت أنا وأمي من المستضعفين في مكة، وإنما (٢) ذكر الولدان مع عدم التكليف لهم لقصد المبالغة في شأن الهجرة، وإيهام أنها تجب لو استطاعها غير المكلف، فكيف من كان مكلفًا، وقيل أراد بالولدان المراهقين والمماليك حالة كونهم {لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً}؛ أي: لا يقدرون على حيلة الخروج، ولا على نفقته، أو كان بهم مرض، أو كانوا تحت قهر قاهر، يمنعهم من تلك المهاجرة، {وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا}؛ أي: لا يعرفون طريقًا، ولا يجدون من يدلهم على الطريق. واستطاعة (٣) الحيلة: وجدان أسباب الهجرة، وما تتوقف عليه من مركوب وزاد. واهتداء السبيل: معرفة الطريق بنفسه أو بدليل،

٩٩ - {فَأُولَئِكَ} المستضعفون الذين لم يهاجروا


(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٣) الخازن.