في تحريكه شفتيه حتى نزلت هذه الآية، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أتاه جبريل أطرق، فإذا ذهب قرأه كما أمره الله.
١٨ - وأشار إلى الثاني بقوله:{فَإِذَا قَرَأْنَاهُ}؛ أي: أتممنا قراءته بلسان جبريل. وإسناد القراءة إلى نون العظمة للمبالغة في إيجاب التأني. {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ}؛ أي: فاشرع فيه بعد فراغ جبريل منه بلا مهلة. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: فإذا جمعناه وأثبتناه في صدرك فاعمل به.
والمعنى: أي فإذا تلاه عليك الملك فاستمع له ثم اقرأه كما أقرأك. وقد يكون المراد فإذا تلي عليك فأعمل بما فيه من شرائع وأحكام.
١٩ - وأشار إلى الثالث بقوله: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (١٩)}؛ أي: بيان ما أشكل عليك من معانيه وأحكامه. وسفي ما يشرح المجمل والمبهم من الكلام بيانًا لكشفه عن المعنى المقصود إظهاره. وفي (١){ثم} دليل على أنه يجوز تأخير البيان عن وقت الخطاب لا عن وقت الحاجة إلى العمل؛ لأنّه تكليف بما لا يطاق.
والمعنى: أي ثم إنا بعد حفظه وتلاوته نبينه لك ونلهمك معناه على ما أردنا وشرحنا.
وفي كتاب ابن عطية: وقرأ أبو العالية {إنّ علينا جَمْعَه وقرتَه. فإذا قرته فاتبع قرته} بفتح القاف والراء والتاء من غير همز ولا ألف في الثلاثة، ولم يتكلم على توجيه هذه القراءة الشاذة. ووجه اللفظ الأول: إنّه مصدر؛ أي: إنّ علينا جمعه وقراءته، فنقل حركة الهمزة إلى الراء الساكنة وحذفها، فبقي {قرته}، كما ترى.
وأما الثاني فإنّه فعل ماض، أصله: فإذا قرأته؛ أي: أردت قراءته، فسكن الهمزة فصار قرأته ثم حذف الألف على جهة الشذوذ كما حذفت في قول العرب: ولو تر ما الصبيان يريدون، ولو ترى ما الصبيان، و (ما) زائدة. وأما اللفظ الثالث فتوجيهه توجيه اللفظ الأول؛ أي: فإذا قرأته؛ أي: أردت قراءته فاتبع قراءته بالدرس أو بالعمل.
وذكر أبو عبد الله الرازي في "تفسيره": أن جماعةً من قدماء الروافض زعموا أنَّ القرآن قد غيّر، وبدل، وزيد فيه، ونقص منه، وأنهم احتجوا بأنه لا مناسبة بين