للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الرئاسة؛ أي: زينتها، وعنده الخدم والحشم. وقيل: إنهم أنكروه لكونه كان في تلك الحال على هيئة ملك مصر ولبس تاجه وتطوق بطوقه. وقيل: كانوا بعيدًا عنه، فلم يعرفوه. وقيل: غير ذلك. فكل (١) ذلك مما يحول دون التثبت من معارف وجهه، ولا سيما أنهم كانوا يظنون أنه قد هلك، أو طوحت به طوائح الأيام، ولو كانوا قد فطنوا لبعض ملامحه وتذكروه بها .. لربما عدوه مما يتشابه فيه بعض الناس ببعض في العادات، وبخاصة أنه لم يكن يدور بخلدهم أن أخاهم قد وصل إلى ذلك المركز السامي.

فالمعنى (٢): فدخلوا على يوسف عليه السلام، وهو في مجلس ولايته، فعرفهم يوسف بأول نظرة نظر إليهم لقوة فهمه {وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ}؛ أي: والحال أنهم لا يعرفونه لطول المدة، فبين أن ألقوه في الجبّ ودخولهم عليه أربعون سنة على ما قيل، فكلموه بالعبرانية، فقال لهم: من أنتم وأي شيء أقدمكم بلادي؟ فقالوا: قدمنا لأخذ الميرة، ونحن قوم رعاة من أهل الشام أصابنا الجهد، فقال: لعلكم عيون تطلعون على عوراتنا، وتخبرون بها أعداءنا، فقالوا: معاذ الله، قال: من أين أنتم؟ قالوا: من بلاد كنعان نحن إخوة بنو أب واحد، وهو شيخ كبير صديق، نبي من أنبياء الله تعالى اسمه يعقوب، قال: كم أنتم؟ قالوا: كنا اثني عشر، فهلك منا واحد، فقال: كم أنتم ههنا؟ قالوا: عشرة، قال: أين الحادي عشر؟ قالوا: هو عند أبيه يتسلى به عن الهالك؛ لأنه أخوه الشقيق، قال: فمن يشهد لكم أنكم لستم عيونًا، وأن ما تقولون حق؟ قالوا: نحن ببلاد غربة لا يعرفنا فيها أحد، فيشهد لنا، قال: فأتوني بأخيكم الذي من أبيكم إن كنتم صادقين؟ فأنا أكتفي بذلك منكم، قالوا: إن أبانا يحزن لفراقه، قال: فاتركوا بعضكم عندي رهينة حتى تأتوني به، فاقترعوا فيما بينهم، فأصابت القرعة شمعون، وكان أحسنهم رأيًا في يوسف في أمر الجبّ، فتركوه عنده، فأمر بإنزالهم وإكرامهم.

٥٩ - {وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ} يوسفُ عليه السلام وشيَّعهم وأعطاهم {بِجَهَازِهِمْ}؛ أي: بما يحتاجون إليه في سفرهم؛ أي: فلما أوقر يوسف إبلهم بالميرة وأصلحهم


(١) المراح.
(٢) الخازن.