يتقبل، إلا إذا سبق بأكل المال الحلال، وجاء في بعض الأخبار، "أن الله تعالى لا يقبل عبادة من في جوفه لقمة من حرام". وصح أيضًا "أيّما لحم نبت من سحت، فالنار أولى به". ثم علل هذا الأمر بقوله سبحانه:{إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ} من الأعمال الظاهرة والباطنة {عَلِيمٌ} فأجازيكم عليه؛ أي: إني بأعمالكم عليم، لا يخفى عليَّ شيء منها، وأنا مجازيكم بجميعها وموفيكم أجوركم وثوابكم عليها، فخذوا في صالح الأعمال، واجتهدوا قدر طاقتكم فيها، شكرًا لربكم على ما أنعم به عليكم.
وفي هذا (١) تحذير من مخالفتهم ما أمروا به، وإذا قيل للأنبياء ذلك، فما أجدر أممهم أن تأخذ حذرها وترعوي عن غيها، وتخشى بأس الله تعالى، وشديد عقابه، وأتى هنا بلفظ {عَلِيمٌ} وفي سبأ بلفظ {بصير} إذ ما هنا تقدمه إيتاء الكتاب وجعل مريم وابنها آية والعلم بهما، أنسب من بصرهما، وما هناك تقدمه قوله:(وألنا له الحديد)، والبصر بإلانة الحديد أنسب من العلم بها. اهـ زكريا.
٥٢ - {و} أقول لكم أيها الرسل: {إن هذه} هذه العقائد التي هي عقائد التوحيد والإيمان {أُمَّتُكُمْ}؛ أي: ملتكم ودينكم جميعًا {أُمَّةً وَاحِدَةً}. حال من {هذه}؛ أي: حالة كونها ملة وشريعة متحدة في أصول الشرائع التي لا تتبدل، ولا تتغير بتبدل الأعصار والأزمان، وتلك الملة المتحدة هي الدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأما اختلاف الشرائع والأحكام بحسب اختلاف الأزمان والأحوال، لا يسمى اختلافًا في الدين؛ لأن الأصول متحدة، فالحائض والطاهر من النساء دينها واحد، وإن افترق تكليفهما.
{وَأَنَا رَبُّكُمْ} ومالككم لا شريك لـ في الربوبية، {فَاتَّقُونِ}؛ أي: فاحذروا عقابي وخافوا عذابي، وفي هذا إيماء إلى أن دين الجميع واحد، فيما يتصل لمعرفة الله تعالى واتقاء معاصيه. والفاء في قوله:{فَاتَّقُونِ} فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت. عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم أنني أنا ربكم