للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بالجمع، موافقة لقوله أول السورة: {رَبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}.

٣٩ - {مَا خَلَقْنَاهُمَا} وما بينهما في حال من الأحوال {إِلَّا} حالة كوننا متلبسين {بِالْحَقِّ}؛ أي (١): محقين، لنا فيه حكمة، وذلك ليستدل به على قدرتنا ووحدانيتنا، فهو استثناء مفرغ من أعم الأحوال، أو ما خلقناهما بسبب من الأسباب إلا بسبب الحق، الذي هو الإيمان والطاعة والبعث والجزاء، فهو استثناء من أهم الأسباب، وقال الكلبي: إلا للحق، وكذا قال الحسن، وقيل: إلا لإقامة الحق وإظهاره {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ}؛ أي: أكثر الناس، وهم كفار مكة، وسائر الكفرة بسبب الغفلة، وعدم الفكرة {لَا يَعْلَمُونَ} أن الأمر كذلك فينكرون البعث، والجزاء.

والآية دليل على ثبوت الحشر ووقوعه، ووجه الدلالة أنه لو لم يحصل البعث والجزاء، لكان هذا الخلق عبثًا؛ لأنه تعالى خلق نوع الإنسان، وما ينتظم به أسباب معايشهم من السقف المرفوع، والمهاد المفروش، وما فيهما وما بينهما من عجائب المصنوعات، وبدائع الأحوال، ثم كلفهم بالإيمان والطاعة ليتميز المطيع من العاصي، بأن يكون المطيع متعلقَ فضله وإحسانه، والعاصي متعلقَ عدله وعقابه، وذلك لا يكون في الدنيا لقصر زمانها، وعدم الاعتداد بمنافعها، لكونها مشوبة بأنواع المضار والمحن، فلا بد من البعث والجزاء لتجزى كل نفس بما كسبت، فالجزاء هو الذي سبقت إليه الحكمة في خلق العالم في رأسها، إذ لو لم يكن الجزاء كما يقول الكافرون، لاستوت عند الله تعالى أحوال المؤمن والكافر، وهو محال.

ومعنى الآية (٢): أي وما خلقنا الخلق عبثًا بأن نوجدهم ثم نفنيهم بغير امتحان بطاعتنا، واتباع أمرنا ونهينا، وبغير مجازاة للمطيع على طاعته، والعاصي على معصيته، بل خلقناهم لنبتلي من أردنا امتحانه منهم بما شئنا، ولنجزي الذين أساؤوا بما عملوا، ولنجزي الذين أحسنوا بالحسنى، وقد سبق نحو هذا في سورة


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.