للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فكيف تذكر إحسانك إليّ على الخصوص، وتنسى استعباد الشعب كله.

٢٣ - ولما دخل موسى وهارون على فرعون، وقالا له: إنا رسولا رب العالمين، أرسلنا إليك لهدايتك إلى الحق، وإرشادك إلى طريق الرشد، وغلباه بالحجة .. رجع فرعون إلى معارضة موسى في قوله: {رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} كما بينه سبحانه بقوله: {قَالَ فِرْعَوْنُ} لموسى: إنك تدعي أنك رسول رب العالمين {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} {ما}: استفهامية؛ أي: أي شيء رب العالمين الذي تزعم أنك رسوله، وما حقيقته الخاصة، ومن أي جنس هو؟ منكرًا لأن يكون للعالمين رب سواه؛ إذ كان قد قال لقومه: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}، ولم يقل فرعون: ومن رب العالمين؛ لأنه كان منكرًا لوجود الرب، فلا ينكر عليه التعبير بـ {مَا}؛ أي (١): يستوصفه إلهه الذي أرسله إليه، وهو سؤال عن جنس الشيء، والله تعالى منزه عن الجنسية والماهية،

٢٤ - فلهذا عدل موسى عن جوابه، وأجابه بذكر أفعاله وآثار قدرته التي تعجز الخلائق عن الإتيان بمثلها، كما بينه سبحانه بقوله: {قَالَ} موسى مجيبًا له بما يصح في وصفه تعالى رب العالمين الذي أرسلني هو سبحانه {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا}؛ أي: وما بين النوعين من الهواء؛ أي: هو خالق العالم العلوي، وما فيه من الكواكب الثوابت والسيارات النيرات والعالم السفلي، وما فيه من بحار وقفار، وجبال وأشجار، وحيوان ونبات، وما بين ذلك من هواء وطير {إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ} أنه خالقهما، فاعرفوا أنه لا يمكن تعريفه إلا بما ذكرته لكم، فإن أيقنتم بذلك لزمكم أن تقطعوا أنه لا جواب لكم عن هذا السؤال إلا ما ذكرته من الجواب.

والإيقان (٢): العلم الذي يستفاد بالاستدلال، ولذا لا يقال: الله موقن، فمعنى العلم بالله العلم به من حيث الارتباط بينه وبين الخلق، وإنشاء العالم منه بقدر الطاقة البشرية؛ إذ منه ما لا توفيه الطاقة البشرية، وهو ما وقع فيه الكمَّل في ورطة الحيرة، وأقروا بالعجز عن حق المعرفة. فإن قلت: كيف علق كونه رب


(١) الخازن.
(٢) النسفي.