للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ويبين لك يا محمَّد في كتابه {مَا يُبَيِّتُونَ} ويدبرون لك ليلًا، ويفضحهم بمثل هذه الآيات فيطلعك على أسرارهم، أو يثبت ذلك في صحائف أعمالهم، ليجازوا عليه، وفي هذا من التهديد الشديد ما لا يحفى.

{فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} يا محمد، ولا تهتم بما يبيتون، ولا تؤاخذهم بما أسروا ولم يعلنوا، {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}؛ أي: واعتمد على الله تعالى، وفوض الأمر إليه، وثق به في جميع أمورك، فإن الله تعالى يكفيك شرهم، وينتقم لك منهم، {وَكَفَى بِاللَّهِ} سبحانه وتعالى من جهة كونه {وَكِيلًا}؛ أي: مفوضًا إليه، لمن توكل عليه فهو قادر على إيقاع الجزاء بهم، وعالم بمقدار ما يستحقون منه، لا يعجزه منه شيء،

٨٢ - {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ}؛ أي: أيعرضون عن القرآن، فلا يتأملون فيه، ليعلموا كونه من عند الله تعالى، بمشاهدة ما فيه من الشواهد التي من جملتها هذا الوحي الناطق بنفاقهم، وأصل (١) التدبر التأمل في أدبار الأمور وعواقبها، ثم استعمل في كل تأمل، سواء كان نظرًا في حقيقة الشيء وأجزائه، أو سوابقه وأسبابه، أو لواحقه وأعقابه، وتدبر الكلام هو النظر والتفكر في غاياته ومقاصده التي يرمي إليها، وعاقبة من يعمل به ومن يخالفه، والهمزة هنا للاستفهام الإنكاري، داخلة على محذوف كما قدرنا، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف؛ أي: أجهل هؤلاء المنافقون حقيقة الرسالة، وكنه هذه الهداية، فلا يتدبرون القرآن الذي يدل على حقيقتها، ولو تدبروه لعرفوا أنه الحق من ربهم، وأن ما وعد به المتقين الصادقين وما أنذر به الكافرين والمنافقين واقع لا محالة، فهو إذ صدق في الأخبار عما يبيتون في أنفسهم من القول، يصدق كذلك فيما أخبر عن سوء مصيرهم، والوبال والنكال في عاقبتهم. وقرأ الجمهور {يَتَدَبَّرُونَ} بياء وتاء بعدها على الأصل، وقرأ ابن محيص بإدغام التاء على الدال. {وَلَوْ كَانَ} هذا القرآن {مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ} تعالى بل كان من عندك كما يزعمون .. {لَوَجَدُوا فِيهِ}؛ أي: في هذا القرآن {اخْتِلَافًا كَثِيرًا}، وتناقضًا جمًّا، من حيث (٢) التوحيد والتشريك،


(١) المراغي.
(٢) النسفي.