للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المدينة، كالمغرب .. فلا تكاد تنحصر. وكانت العجوة خير أموال بني النضير؛ لأنهم كانوا يقتاتونها، ولما قطعت العجوة .. شق النساء الجيوب، وضربن الخدود، ودعون بالويل كما في "إنسان العيون".

واستدل بهذه الآية على جواز هدم ديار الكفرة، وقطع أشجارهم مثمرة كانت أو غير مثمرة، وإحراق زروعهم زيادة لغيظهم، وعلى جواز الاجتهاد وعلى تصويب المجتهدين. والكلام فيه مبسوط في كتب الأصول.

والمعنى: وقد أذن الله في ذلك ليعز المؤمنين، وليخزي الفاسقين ويذلهم، ويزيد غيظهم، ويضاعف حسرتهم بنفاذ حكم أعدائهم في أعز أموالهم.

والخلاصة: أنكم بأمر الله قطعتم، ولم يكن ذلك فسادًا، بل نعمة من الله ليخزيهم ويذلهم بسبب فسقهم وخروجهم من طاعة الله ومخالفة أمره ونهيه.

٦ - ولما جلا بنو النضير عن أوطانهم (١)، وتركوا أرباعهم وأموالهم .. طلب المسلمون تخميسها كغنائم بدر. فنزلت: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ ...}. فبين أن أموالهم فيء لم يوجف عليها خيل ولا ركاب ولا قطعت مسافة، إنما كانوا ميلين من المدينة مشوا مشيًا، ولم يركب إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

وهذا شروع في (٢) بيان حال ما أخذ من أموالهم بعد بيان ما حل بأنفسهم من العذاب العاجل والآجل، وما فعل بديارهم ونخيلهم من التخريب والقطع. و {ما} موصولة، وقوله: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ} خبره. ويجوز جعلها شرطية، وقوله: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ} جوابًا. والفيء في الأصل بمعنى الرجوع، وأفاء: أعاد وأرجع فهو على أصل معناه هنا.

والمعنى: وما أعاده الله على رسوله ورده، وأرجع إليه من مالهم؛ أي: جعله عائدًا إليه، ففيه إشعار بأنه كان حقيقًا بأن يكون له - صلى الله عليه وسلم -، وإنما وقع في أيديهم بغير حق، فرجعه الله إلى مستحقه؛ لأنه تعالى خلق الناس لعبادته، وخلق ما خلق ليتوسلوا به إلى طاعته، فهو جدير بأن يكون للمطيعين، وهو - صلى الله عليه وسلم - رأسهم ورئيسهم، وبه أطاع من أطاع، فكان أحق به. فالعود على هذا بمعنى: أن يتحول


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.