الشيء إلى ما فارق عنه، وهو الأشهر. ويجوز أن يكون معناه: صيّره له، فالعود على هذا بمعنى: أن يتحول الشيء إلى ما فارق عنه، وإن لم يكن ذلك التحول مسبوقًا بالحصول له قبل. والحمل هنا على هذا المعنى لا يحوج إلى تكلف توجيه بخلاف الأول. وكلمة {على} تؤيد المعنى الثاني.
قال بعضهم: سمى ذلك المال فيئًا تشبيهًا له بالفيء، الذي والظل، تنبيهًا على أن أشرف أعراض الدنيا يجري مجرى ظل زائل. قال المطرزي في "المُغْرِب": الفرق بين الغنيمة، والفيء، والنفل: أن الغنيمة: ما نيل من أن الشرك عنوة والحرب قائمة، وحكمها: أن تخمس، وسائرها بعد الخمس للغانمين خاصة. والفيء: ما نيل منهم بعدما تضع الحرب أوزارها، وتصير الدار دار إسلام، ومنه الجزية، ومال أهل الصلح والخراج من أموالهم. وحكمه؛ أن يكون لكافة المسلمين، ولا يخمس. والنَّفَلُ - بالتحريك -: ما ينفلُه المغازي؛ أي: يعطاه زائدًا على سهمه؛ لكثرة نكايته في الأعداء، وكأن يقول الإِمام أو الأمير: من قتل قتيلًا .. فله سلبه، أو قال للسرية: ما أصبتم .. فلكم ربعه أو نصفه، ولا يخمس. وعلى الإِمام الوفاء به.
{مِنْهُمْ} أي: من بني النضير {فَمَا} نافية {أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ}؛ أي: أجريتم على تحصيله وتغنمه من الوجيف، وهو سرعة السير. {مِنْ خَيْلٍ}: {مِنْ} زائدة بعد النفي للتأكيد؛ أي: خيلًا. وهو جماعة الأفراس، لا واحد له من لفظه، كما سيأتي. {وَلَا رِكَابٍ}؛ أي: ولا ركابًا؛ أي: جملًا. والركاب هو: ما يركب من الإبل خاصة، كما أن الراكب عندهم راكبها لا غير. وأما راكب الفرس فإنهم يسمونه فارسًا، ولا واحد لها من لفظها، وإنما الواحد منها: راحلة.
والمعنى: أي وما أفاء الله على رسوله من أموال بني النضير (١)، فما قطعتم لها شقة بعيدة، ولا لقيتم مشقة شديدة، ولا قتالًا شديدًا، وذلك أنه كانت قرى بني النضير على ميلين من المدينة، وهي ساعة واحدة بحساب الساعات النجومية، فذهبوا إليها مشيًا، وما كان فيهم راكب إلا النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان يركب حمارًا مخطومًا بليف أو جملًا، فافتتحها صلحًا من غير أن يجري بينهم مسايفة. كأنه قال: