الفتنة بين عليّ ومعاوية، ولولا ذلك .. لما قتل أولئك الألوف من صناديد المسلمين، ثم ما كان من منافقيهم من الإسرائيليات الكاذبة التي لا تزال مبثوثة في تضاعيف كتب التفسير والحديث والتاريخ.
وأما النصارى: فقد كان الحبشة منهم أول من أظهر المودة لهم، وأكرم النجاشي من لجأ إليه من مهاجريهم، ومنعهم من تعدي المشركين عليهم، ثم انقلب الأمر بعد انتشار الإسلام وراء جزيرة العرب، فتودد اليهود للمسلمين؛ لأنهم أنقذوهم من ظلم النصارى واستعبادهم، وصار نصارى أوروبا المستعمرون للممالك الشرقية هم الذين يقاتلون المسلمين، ويعادونهم دون نصارى هذه البلاد؛ لأنهم رأوا من عدل المسلمين ما فضلوهم به على الروم الذين كانوا يظلمونهم ويحتقرونهم، إلى أن جاءت الحروب الصليبية، فغلا نصارى أوروبا في عداوة المسلمين، ولا يزال الأمر كذلك في هذا العصر، كما هو مشاهد معروف.
٣٣ - ثم بين إتمام نوره فقال:{هُوَ} سبحانه وتعالى الإله {الَّذِي أَرْسَلَ} وبعث {رَسُولَهُ} محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، حالة كونه متلبسًا {بِالْهُدَى}؛ أي بالقرآن أو بما يهدي به الناس من البراهين والمعجزات والأحكام التي شرعها الله تعالى لعباده {وَدِينِ الْحَقِّ} الذي هو دين الإسلام والملة الحنيفية، وهذه الجملة بمنزلة التعليل لما قبلها؛ أي: إنه تعالى كفل إتمام هذا النور بإرسال رسوله الأكمل بالهدى والدين الحق، الذي لا يغيره دين آخر ولا يبطله شيء آخر.
ثم ذكر الغاية من إرسال محمد - صلى الله عليه وسلم -، خاتم النبيين بدين الحق، فقال:{لِيُظْهِرَهُ}؛ أي: ليعلي هذا الدين، الذي هو دين الإسلام ويرفع شأنه {عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}؛ أي: على جميع الأديان كلها بالحجة والبرهان والهداية والعرفان والسيادة والسلطان، ولم يكن لدين من الأديان مثل ما للإسلام من التأثير الروحي والعقلي والمادي والاجتماعي والسياسي، وإظهاره على الدين كله بأن لا يعبد الله إلا به، فإن المسلمين قد قهروا اليهود وأخرجوهم من بلاد العرب، وغلبوا النصارى على بلاد الشام وما والاها إلى ناحية الروم والغرب، وغلبوا المجوس