للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والروحاني منه كلقاء الله ورضوانه وكمال معرفته، يجل عنه الوصف والتحديد، ولا شبيه له في نعيم الدنيا.

وقرأ (١) ابن عامر وحده: {ولدار الآخرة} بالإضافة، فقيل: من إضافة الموصوف إلى صفته؛ كمسجد الجامع، وقيل: من حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه؛ أي: ولدار الآخرة. وقراءة ابن عامر موافقة لمصحفه، فإنها رسمت في مصاحف الشاميين بلام واحدة، واختارها بعضهم لموافقتها لما أجمع عليه في يوسف: {وَلَدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ}، وفي مصاحف الناس بلامين. وقرأ باقي السبعة: {وللدار الآخرة} بتعريف الدار بأل ورفع الآخرة نعتًا لها.

والهمزة في قوله: {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} للاستفهام التوبيخي، داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف؛ أي: قل لهم: أتغفلون أيها المخاطبون المنكرون للبعث عن هذا المذكور، فلا تعقلون وتفهمون أن الحياة الدنيا لعب ولهو، وأنها فانية، والآخرة باقية، وأنتم ترون من يموت، ومن تنوبه النوائب وتفجعه الفواجع؟ ففي ذلك مزدجر عن الركون إليها، واستبعاد النفوس لها، ودليل على أن لها مدبِّرًا يلزم الخلق عبادته وعدم إشراك غيره معه في ذلك التدبير والنظام، وإخلاص العبادة والطاعة له.

وقرأ نافع وابن عامر وحفص (٢): {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} بالتاء، خطابًا لمن كان في حضرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من منكري البعث كما فسرنا. وقرأ الباقون بالياء على الغيبة؛ أي: أيغفل الذين يتقون، فلا يعقلون أن الدار الآخرة خير لهم من هذه الدار، فيعملون لما ينالون به الدرجة الرفيعة والنعيم الدائم، فلا يفترون في طلب ما يوصل إلى ذلك.

٣٣ - وقوله: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ} كلام مستأنف مسوق لتسلية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عما ناله من الغم والحزن بتكذيب الكفار له. والضمير في {إِنَّهُ} للشأن والحال، والجملة بعده مفسرة له، وما ذكره "الشوكاني" وغيره هنا من أن


(١) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.