للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{قَدْ} للتكثير غير ظاهر كما ذكره أبو حيان؛ لأن علمه تعالى لا يمكن فيه التكثير والزيادة. والظاهر أن يقال: إنها هنا للتحقيق والتوكيد، نظير قوله تعالى: {وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ}، وقوله الشاعر:

وَقَدْ تُدْرِكُ الإِنْسَانَ رَحْمَةُ رَبِّهِ ... وَلَوْ كَانَ تَحْتَ الأَرْضِ سَبْعِيْنَ وَادِيَا

أي: حقًّا علمنا يا محمد أنه ليحزنك ويهمك القول الذي يقولونه لك في الظاهر في طعنك وتكذيب نبوتك، ورد دعوتك إلى التوحيد، وتنفير العرب عنك من قولهم: إنك ساحر أو شاعر أو كاهن أو مجنون.

قال ابن كثير (١): يقول تعالى مسليًّا لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في تكذيب قومه له، ومخالفتهم إياه: قد أحطنا علمًا بتكذيبهم لك وحزنك وأسفك عليهم، كما جاء في قوله: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ}، وفي قوله: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (٦)}. قرأ (٢) نافع: {ليُحزنك} بضم الياء وكسر الزاي من أحزن الرباعي، والباقون بفتح الياء وضم الزاي من حزن الثلاثي.

ثم بين أن هذا التكذيب منشؤه العناد والجحود لإخفاء الدليل، فقال: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ}؛ أي: فلا تحزن لما يقولون فيك وفي دينك في الظاهر؛ لأنهم لا يكذبونك في السر، فإنهم قد علموا صدقك. {وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ} القرآنية والإعجازية {يَجْحَدُونَ} ـها ويعاندونها، ويدفعونها بصدودهم عنها وتنفير الناس عنها بعد معرفة حقيقتها. وفي قوله: {وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ} وضع الظاهر موضع المضمر.

وقرأ علي ونافع والكسائي (٣): {يكذبونك} بسكون الكاف من أكذب الرباعي؛ أي: لا يجدونك كاذبًا؛ لأنهم يعرفون صدقك وأمانتك. وقرأ باقي السبعة وابن عباس: {يُكَذِّبُونَكَ} بفتح الكاف وتشديد الذال من كذب المضعف؛


(١) ابن كثير.
(٢) المراح.
(٣) البحر المحيط.