للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والتغير الذي يحصل بسبب الغم، والعرب تقول لكل من لقي مكروها قد اسود وجهه غمًّا وحزنًا، قاله الزجاج، وقال الماوردي: بل المراد سواد اللون حقيقة، قال: وهو قول الجمهور، والأولى، فإن المعلوم بالوجدان أن من غضب وحزن واغتم لا يحصل في لونه إلا مجرد التغير، وظهور الكآبة والانكسار لا السواد الحقيقي.

وجملة قوله: {وَهُوَ كَظِيمٌ} في محل نصب على الحال؛ أي: ظل وجهه مسودًّا، والحال أنه مملوء غضبًا على المرأة، لأجل ولادتها الأنثى، ومن هنا (١) أخذ المعبرون من رأى أو روئي له أن وجهه اسودَّ، فإن امرأته تلد أنثى، أو ممتلىءٌ من الغم غيظًا وخنقًا، قال الأخفش: هو الذي يكظم غيظه ولا يظهره،

٥٩ - {يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ}؛ أي: يتغيب ويختفي ويستتر من قوله، {مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ}؛ أي: من أجل سوء المبشر به، ومن أجل تعييرهم له بها، والتعبير عنها بـ {ما} لإسقاطها عن درجة العقلاء؛ أي: يختفي (٢) منهم من أجل كراهية الأنثى التي بشر وأخبر بها، من حيث كونها لا تكتسب، وكونها يخاف عليها الزنا، وكان الرجل في الجاهلية إذا ظهر آثار الطلق بأمرته .. اختفى عن القوم، إلى أن يعلم ما يولد له، فإن كان ذكرًا .. فرح به، وإن كان أنثى .. حزن ولم يظهر للناس أيَّامًا، يدبر فيها ماذا يصنع بها، وذلك قوله تعالى: {أَيُمْسِكُهُ} تذكير الضمير باعتبار لفظ {ما}؛ أي: أيمسك ذلك المولود ويتركه {عَلَى هُونٍ}؛ أي: مع ذُلٍّ وتعيير يلحقه بسببها؛ أي: يحفظ ما بشر به من الأنثى، ويتركه بلا دفْنٍ مع رضاه بذل نفسه، فقوله: {عَلَى هُونٍ} إمَّا (٣) حال من الفاعل؛ أي: يمسكها مع رضاه بهوان نفس، أو من المفعول، أي: يمسكها مهانة ذليلة للعمل والاستقاء والخدمة، {أَمْ يَدُسُّهُ} ويخفيه {فِي التُّرَابِ} بالوأد؛ أي: دفنها حية؛ أي: إذا بشر حدهم بالأنثى .. يكون مترددًا بين أمرين، إما أن يمسكه على هون، وإما أن


(١) روح البيان.
(٢) المراح.
(٣) روح البيان.