للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى: نقص عليك يا محمد بعض الحوادث الماضية الجارية على الأمم السالفة، مثل ذلك القص البديع الذي سمعت، لا قصًا ناقصًا عنه، تبصرةً لك، وتوفيرًا لعلمك، وتكثيرًا لمعجزاتك، وتنبيهًا للمعتبرين من أمتك.

والحاصل: أن الله - سبحانه وتعالى - يخاطب نبيه (١) - صلى الله عليه وسلم - ويبين له أنه كما قص عليه خبر موسى، وما جرى له مع فرعون وجهوده، على هذا الأسلوب الرائع، والمسلك البديع، يقص عليه أخبار الحوادث التي جرت عليه الأمم الخالية، ليكون له ذلك سلوةً، ليتأسى بالأنبياء السالفين وما لاقوه من أممهم من شديد العناد، والجحود والتكذيب، ومكابدة الشدائد والأهوال {وَقَدْ آتَيْنَاكَ} يا محمد؛ أي: ولقد أعطيناك {مِنْ لَدُنَّا}؛ أي: من عندنا {ذِكْرًا}؛ أي: كتابًا شريفًا (٢) مطويًا على هذه الأقاصيص والأخبار، حقيقًا بالتذكر به، جديرًا بالتفكر فيه، والاعتبار به لأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولم يعط نبي قبلك مثله، فهو جامع للأخبار، حاوٍ للأحكام التي فيها صلاح حال البشر في دينهم ودنياهم، مشتمل على مكارم الأخلاق وسامي الآداب التي بها يرتفع قدر الأمم، وينبه ذكرها، وفي "الكبير" في تسميته به وجوه:

الأول: أنه كتاب فيه ذكر ما يحتاج إليه في أمر دينهم ودنياهم.

والثاني: أن يذكر أنواع آلاء الله ونعمائه، وفيه التذكير والموعظة.

والثالث: فيه الذكر والشرف لك ولقومك، وسمى الله سبحانه كل كتبه ذكرًا فقال: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ}

١٠٠ - {مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ}؛ أي: عن ذلك الذكر العظيم الشأن، الجامع لوجوه السعادة والنجاة، فلم يعتبر، ولم يعمل به لإنكاره إياه، وتكذيبه به، وابتغى الهدى من غيره. و {مَنْ} إما شرطية أو موصولة، وأيًا ما كانت، فالجملة صفة لـ {ذِكْرًا} {فَإِنَّهُ}؛ أي: فإن ذلك المعرض عنه {يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا}؛ أي: عقوبةً ثقيلةً على كفره، وسائر ذنوبه، وتسميتها وزرًا: تشبيهًا في ثقلها على المعاقب، وصعوبة احتمالها بالحمل الذي يقدح الحامل، وينقض


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.