للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فضلًا كبيرًا على سائر الأمم، وقد بين ذلك سبحانه بقوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}.

وأخرج ابن جرير وعكرمة عن الحسن أنه قال: لما نزل قوله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} قالوا: يا رسول الله، قد علمنا ما يفعل بك، فماذا يفعل بنا، فأنزل الله سبحانه: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (٤٧)}.

٤٨ - ثم نهاه سبحانه عن طاعة أعداء الدين فقال: {وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ} من أهل مكة {وَالْمُنَافِقِينَ} من أهل المدينة. ومعناه: الدوام على عدم طاعتهم، أي (١): دم واثبت على ما أنت عليه من مخالفتهم، وترك إطاعتهم، واتباعهم.

وفي "الإرشاد": نُهي عن مداراتهم في أمر الدعوة، واستعمال لين الجانب في التبليغ، والمسامحة في الإنذار، كنى عن ذلك بالنهي عن طاعتهم مبالغةً في الزجر والتنفير عن المنهي عنه، بنظمه في سلكها، وتصويره بصورتها.

أي: لا تطعهم فيما يشيرون عليك به من المداهنة في الدين، وفي الآية تعريض لغيره من أمته؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - معصوم عن طاعتهم في شيء مما يريدونه، ويشيرون به عليه، وقد تقدم تفسير هذه الآية في أول السورة {وَدَعْ أَذَاهُمْ}؛ أي: واترك المجازاة لهم على إيذائهم إياك، ومؤاخذتهم به؛ أي: دع أن تؤذيهم مجازاةً لهم على ما يفعلونه من الأذى لك، فهو مصدر مضاف إلى المفعول، أو المعنى: لا تبال بإيذائهم لك بسبب تصلبك في الدعوة والإنذار، فهو مصدر مضاف إلى الفاعل، وهي منسوخة بآية السيف بالنظر إلى الكافر.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه: قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسمة، فقال رجل من الأنصار: إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله، فأخبر بذلك، فاحمر وجهه فقال: "رحم الله أخي موسى، لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر".

وفي "التأويلات": {وَلَا تُطِعِ ...} إلخ؛ أي: لا تتخلق بخلق من أخلاقهم، ولا توافق من أعرضنا عنه، وأغفلنا قلبه عن ذكرنا، وأضللناه من أهل الكفر والنفاق وأهل البدع والشقاق. {وَدَعْ أَذَاهُمْ} بالبحث والمناظرة على إبطالهم، فإنهم عن


(١) روح البيان.