للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أعطاهم ذلك إلا تكريمًا لذواتهم، وتفضيلًا لهم على غيرهم.

وفي (١) هذا الاستفهام التقريري إشارة إلى أن الضعفاء عارفون بحق نعم الله تعالى في تنزيل القرآن، وفي التوفيق للإيمان، شاكرون له تعالى على ذلك، وتعريض بأن القائلين بتلك المقالة بمعزل من ذلك كله. وفي الآية إيماء إلى أن ما اغتروا به من النعم لن يدوم، ولا يبقى المؤمنون على الضعف الذي صبروا عليه، بل لا بد أن تنعكس الحال، فيُسلب الأقوياء ما أعطوا من قوة ومال، وتدول الدولة لهؤلاء الضعفاء من المؤمنين، فيكونوا هم الأئمة الوارثين، قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (٧)}.

وكذلك (٢) فيها إشارة إلى أن تركهم للإيمان لم يكن إلا جحودًا ناشئًا عن الكبر والعلو في الأرض، لا عن حجة ولا عن شبهة، وإلى أن ضعفاء المؤمنين السابقين لم يفتنوا بغنى كبراء المشركين وقوتهم.

٥٤ - {وَإِذَا جَاءَكَ} يا محمد القوم {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا}؛ أي: يصدقون بكتابنا وحججنا، ويقرون بذلك قولًا وعملًا سائلين عن ذنوبهم التي فرطت منهم، هل لهم منها توبة {فـ} ـلا تؤيسهم منها و {قل سلام عليكم}؛ أي: أمان الله تعالى لكم من ذنوبكم أن يعاقبكم عليها بعد توبتكم منها، وهؤلاء هم القوم الذين نهاه الله عن طردهم، وهم المستضعفون من المؤمنين.

ثم ذكر العلة في هذا، فقال: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}؛ أي: قل لهم تبشيرًا لهم بسعة رحمته تعالى، وبنيل المطالب: أوجب ربكم سبحانه وتعالى على ذاته المقدسة تفضلًا منه وإحسانًا الرحمة لخلقه والإحسان إليهم، فإن فيما سخر للبشر من أسباب المعيشة المادية، وفيما آتاهم من وسائل العلوم الكسبية لآيات بينات على سعة الرحمة الربانية، وتربية عباده بها في حياتهم الجسدية والروحية؛ لأنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

ثم بيَّن أصلًا من أصول الدين في هذه الرحمة للمؤمنين، فقال: {أَنَّهُ مَنْ


(١) المراح.
(٢) المراغي.