وفي قوله:{وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} تبشيرٌ لهم بما يقع لهم في المستقبل من النصر، فإن من اخترق الإيمان الصحيح فؤاده، وتمكن من سويداء قلبه يكون على يقينٍ من العاقبة بعد مراعاة السنن والأسباب المطردة للظفر والفلاح
١٤٠ - {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ}؛ أي: إن أصابكم أيها المؤمنون جرح في يوم أحد {فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ}؛ أي: فقد أصاب كفار مكة يوم بدر {قَرْحٌ مِثْلُهُ}، أي: جرح ماثلٌ لما أصابكم في يوم أحد، بل هو أعظم مما أصابكم؛ لأنه أسر منهم سبعون، وقتل سبعون والمسلمون في أحدٍ قتل منهم سبعون، وأسر عشرون، ومع ذلك فلم يضعف ذلك قلوبهم، فأنتم أحق بأن لا تضعافوا.
وقيل: إن المعنى إن نالكم يوم أحد قرحٌ وانهزامٌ .. فقد نال كفار مكة في ذلك اليوم، أعني يوم، أحد قرحٌ مماثلٌ لما نالكم، فإن المسلمين نالوا من الكفار قبل أن يخالفوا أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتلوا منهم نيفًا وعشرين رجلًا، منهم صاحب لوائهم، وجرحوا عددًا كثيرًا، وعقروا عامة خيلهم بالنبل، وقد كانت الهزيمة عليهم أول النهار.
والخلاصة: أنه لا يسوغ لكم التقاعد عن الجهاد، وليس لكم العذر فيه؛ لأجل أن مسكم قرحٌ، فإن أعداءكم قد مسهم مثله قبلكم وهم على باطلهم لم يفتروا في الحرب، ولم يهنوا فأنتم أجدر بصدق العزيمة لمعرفتكم بحسن العاقبة وتمسككم بالحق.
وقرأ حمزة (١) والكسائي، وابن عيَّاش عن عاصم، والأعمش في طريقةٍ {قَرْحٌ} بضم القاف وباقي السبعة بالفتح. والسبعة كلهم على تسكين الراء. قال أبو علي: والفتح أولى انتهى. ولا أولوية إذ كلاهما متواترٌ فهما لغتان كالضعف والضعف. وقيل: هو بالفتح الجراح، وبالضم ألمها. وقرأ أبو السمال، وابن السميقع {قَرْحٌ} بفتح القاف والراء، وهي لغة: كالطرد والطرد والشل والشلل. وقرأ الأعمش {إِنْ يَمْسَسْكُمْ} بالتاء من فوق {قَرْوحٌ} بالجمع.