فيها تقريعًا وتوبيخًا لهم في يوم الفصل، وغضبًا من أرحم الراحمين، والفاء في {فَذُوقُوا} سببية (١) دالة على أن الأمر بالذوق مسبب عن كفرهم بالحساب، وتكذيبهم بالآيات، ومعلل به، فيكون {وَكُلَّ شَيْءٍ} إلخ جملةً معترضة، بين السبب ومسببه، تؤكد كل واحد من الطرفين؛ لأنه كما دل على كون معاصيهم مضبوطة مكتوبة .. يدل على أن ما يتفرع عليها من العذاب كائن لا محالة مقدر على حسب استحقاقهم، وفي الالتفات المنبىء عن التشديد في التهديد، وإيراد {لَن} المفيدة لكون ترك الزيادة من قبيل ما لا يدخل تحت الصحة من الدلالة على تبالغ الغضب ما لا يخفى.
وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"إنَّ هذه الآية أشد ما في القرآن على أهل النار"؛ أي: لأن فيها الإياس من الخروج، فكلما استغاثوا من نوع من العذاب .. أغيثوا بأشد منه، فتكون كل مرتبة منه متناهية في الشدة، وإن كانت مراتبه غير متناهية بحسب العدد والمدة، وهذا لا يعارض قوله تعالى:{وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ}؛ لأن المراد بالمنفي التكلم باللطف والإكرام، لا بالقهر والجلال.
فإن قيل: هذه الزيادة إن كانت غير مستحقة .. كانت ظلمًا، وإن كانت مستحقة .. كان تركها في أول الأمر إحسانًا، والكريم لا يليق به الرجوع في إحسانه.
فالجواب: أنها مستحقة، ودوامها زيادة لثقل العذاب، وأيضًا ترك المستحق في بعض الأوقات لا يوجب الإبراء والإسقاط حتى يكون إيقاعه بعده رجوعًا في "الإحسان" وأيضًا كانوا يزيدون كفرهم وتكذيبهم وأذيتهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأصحابه رضي الله عنهم، فيزيد الله عذابهم لزيادة الاستحقاق، فلا ظلم.
فإن قيل: قوله: {فَذُوقُواْ ...} إلخ تكرار؛ لأنه ذكر سابقًا أنهم لا يذوقون إلخ. قلنا: إنه تكرار لزيادة المبالغة في تقرير الدعوى، وهو كون العقاب جزاءً وفاقًا،
٣١ - وقوله: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (٣١)} شروع في بيان محاسن أحوال المؤمنين، وما أعده الله سبحانه لهم من الخير إثر بيان سوء أحوال الكافرين، وما أعد الله لهم؛