للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} حال من إحدى التاءين؛ أي: والحال أنك من المنكرين لنعمتي، والجاحدين لحق تربيتي، حيث عمدت إلى رجل من خواصي، والمعنى: فجازيتنا على أن ربيناك أن كفرت نعمتنا، وقتلت منا نفسًا.

وقرأ الجمهور (١): {فَعْلَتَكَ} - بفتح الفاء - إذ كانت وكزة واحدة، وقرأ الشعبي بكسر الفاء يريد الهيئة؛ لأن الوكزة نوع من القتل.

وخلاصة ما سلف (٢): أنه عدد نعماءه عليه أولًا من تربيته وإبلاغه مبلغ الرجال، ثم بتوبيخه بما جرى على يديه من قتل خبازه، وهو من خواصه، وهو بهذا أيضًا يكون قد كفر نعمته وجحد فضله،

٢٠ - فأجاب موسى عن الأمر الثاني، وترك أمر التربية؛ لأنها معلومة مشهورة، ولا دخل لها في توجيه الرسالة، فإن الرسول إذا كان معه حجة ظاهرة على رسالته تقدم بها إلى المرسل إليهم سواء أكانوا أنعموا عليه أم لم ينعموا {قَالَ} موسى {فَعَلْتُهَا}؛ أي: تلك الفعلة {إِذًا}؛ أي: حين فعلت، وهو حرف جواب فقط؛ لأن ملاحظة المجازاة هاهنا بعيدة؛ أي: قال موسى مجيبًا لفرعون: فعلت هذه الفعلة التي ذكرت، وهي قتل القبطي وأنا إذ ذاك {مِنَ الضَّالِّينَ}؛ أي: من الجاهلين بأن وكزتي تأتي على نفسه، فإني إنما تعمدت الوكز للتأديب، لا القتل، فأدى ذلك إلى القتل. وقيل: {مِنَ الضَّالِّينَ} عن طريق الصواب، وقيل: من المخطئين.

وقرىء (٣): {من الجاهلين} والمعني: من الفاعلين فعل أولي الجهل والسفه، أو من المخطئين؛ لأنه لم يتعمد قتله، أو من الذاهلين عما يؤول إليه الوكز؛ لأنه أراد به التأديب، أو الناسين، نظير قوله: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا}. وقيل: المعنى: من الضالين عما أتاني الله بعدها من العلم والرسالة، وربأ بمحل النبوة عن تلك الصفة التي أطلقها عليه فرعون، وهي قوله له: {وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ}، فقال: {مِنَ الضَّالِّينَ}؛ أي: من المخطئين كمن يقتل خطأ من غير تعمد للقتل.


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) البيضاوي.