بما أكرمهم به يوم القيامة، حيث نال أعداؤهم هذا الثواب الجزيل، وهم بقوا في العذاب المخلّد الوبيل.
٤٦ - ثم خاطب المكذبين مهدّدًا لهم، فقال:{كُلُوا} من نعيم الدنيا الفاني {وَتَمَتَّعُوا} بمتاعها تمتّعا {قَلِيلًا} أو زمانًا قليلًا؛ أي: عيشوا مدّة قليلةً إلى منتهى آجالكم؛ لأن زمان الدنيا قليل كمتاعها. {إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ}؛ أي: كافرون مستحقّون للعذاب في الآخرة. وجملة {كُلُوا} في محل النصب مقول لقول مقدّر وقع حالًا من المكذبين. قال في "الكواشي": لا أحب الوقف على {المكذبين} إن نصبت {كُلُوا} إلخ، حالًا منه.
والمعنى (١): الويل ثابت لهم مقولًا لهم ذلك في الآخرة تذكيرًا لهم بحالهم في الدنيا بما جنوا على أنفسهم من إيثار المتاع الفاني عن قريب على النعيم الخالد، فلا يرد كيف يقال لهم ذلك ولا تمتع لهم فيها؟ يعني: أنّ هذا القول لهم في الآخرة لا يكون لطلب الأكل والتمتع منهم بنعيم الدنيا حقيقةً لعدم إمكانه بل إنّما يقال لهم للتذكير المذكور، فيكون الأمر أمر توبيخ وتحسير وتحزين. وعلل ذلك بإجرامهم دلالةً على أن كل مجرم مآله هذا؛ أي: ليس له إلّا الأكل والتمتع أيّامًا قلائل ثم البقاء في الهلاك الأبدي. أو يقال لهم هذا في الدنيا.
والمعنى عليه: أي كلوا بقية آجالكم وتمتعوا بقية أعماركم، وهي قليلة المدى، وسنستن بكم سنة من قبلكم من مجرمي الأمم الخالية التي متعت إلى حين ثم انتقمنا منهم بكفرهم وتكذيبهم لرسلنا. وهذا، وإن كان في اللفظ أمرًا فهو في المعنى تهديد وزجر عظيم.
٤٧ - {وَيْلٌ}؛ أي: هلاك أبديّ وحزن سرمدي {يَوْمَئِذٍ}؛ أي: يوم إذ وقعت المجازاة على الأعمال {لِلْمُكَذِّبِينَ} الذين عرّضوا أنفسهم للعذاب الدائم بالتمتع القليل، وكذّبوا بما أخبرهم الله تعالى أنّه فعل بهم.
٤٨ - {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ}؛ أي: للمكذبين: {ارْكَعُوا}؛ أي: أطيعوا الله، واخشعوا، وتواضعوا له بقبول وحيه واتباع دينه، وارفضوا هذا الاستكبار والنخوة؛ لأنّ الركوع