٢٩ - والفاء في قوله:{فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ} عاطفة على محذوف معلوم من السياق، تقديره: فعقد شعيب العقدين، وباشر موسى ما التزمه، وأتم أبعد الأجلين، وهو عشر سنين، فلما قضى موسى وأتم الأجل المشروط بينهما، وفرغ منه استأذن موسى شعيبًا في زيارة أهله في مصر، فبكى شعيب وقال: يا موسى كيف تفارقني وقد ضعفت وكبرت الآن، فقال له موسى: قد طالت غيبتي عن أمي وخالتي وهارون أخي وأختي في مملكة فرعون، فقام شعيب وبسط يديه، وقال: يا رب بحرمة إبراهيم الخليل وإسماعيل الصفي وإسحاق الذبيح ويعقوب الكظيم ويوسف الصديق رُدَّ عليَّ قوَّتي وبصري، فأمَّن موسى على دعائه، فردَّ الله عليه بصره وقوَّته، ثم أذن له في الذهاب، وأوصاه بابنته.
{وَسَارَ} موسى وذهب بإذن شعيب نحو مصر، لصلة رحمه وزيارة أمه وأخيه وأخته، حالة كونه متلبسًا {بِأَهْلِهِ}؛ أي: بزوجته صفورياء وولده منها - فإنها ولدت منه قبل السير - والخادم، وفيه دليل على أن الرجل يذهب بأهله حيث شاء، وكان في البرية والليلة مظلمة باردة، فضرب خيمته على الوادي، وأدخل أهله فيها، وأوى أغنامه حولهم، وقد كان ساقها معه، وكانت امرأته حاملًا، فأخذها الطلق فأراد أن يقدح، فلم يظهر له نار فاغتم لذلك، فحينئذٍ {آنَسَ} وأبصر {مِنْ جَانِبِ} جبل {الطُّورِ نَارًا}؛ أي: من الجهة التي تلي جبل الطور على يسار الطريق نارًا مضيئة، قال بعضهم: أبصر نارًا دالة على الأنوار، لأنه رأى النور على هيئة النار، لكون مطلبه النار، والإنسان يميل إلى الأشياء المعهودة المأنوسة، ولا تخلو النار من الاستئناس خاصة في الشتاء، وكان شتاء، تجلِّى الحق بالنور في لباس النار على حسب إرادة موسى، وهذه سنته تعالى، ألا ترى إلى جبريل أنه عَلِمَ أن النبي عليه السلام أحب دحية، فكان أكثر مجيئه إليه في صورة دحية.
فلما آنس نارًا {قَالَ} موسى {لِأَهْلِهِ امْكُثُوا} هاهنا، واثبتوا فيه، وانتظروني حتى أرجع إليكم فـ {إِنِّي آنَسْتُ} وأبصرت {نَارًا} مضيئة من جانب الطور، فـ {لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا}؛ أي: من عند النار {بِخَبَرٍ} الطريق إلى مصر، وقد كان