للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

افترق ثلاث فرق، وصار ثلاث شعب: شعبة عن يمينهم، وشعبة عن شمالهم، وشعبة من فوقهم حتى يفرغ من الحساب، والمراد أنّه أحاط بهم من كل جانب كما جاء في الآية الأخرى {أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا}.

فقوله: {ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ} كناية (١) عن كون ذلك الدخان عظيمًا بناءً على أن التشعب من لوازمه. وقيل: يخرج لسان من النار، فيحيط بالكفار كسرادق، وهو ما يمد فوق صحن البيت. ويتشعب من دخانها ثلاث شعب، فتظلهم حتى يفرغ من حسابهم، والمؤمنون في ظل العرش.

وقرأ الجمهور (٢): {انْطَلِقُوا} في الموضعين بكسر اللام على صيغة الأمر، وكرره بيانًا للمنطلق إليه أو للتأكيد. وقرأ روش عن يعقوب بصيغة الماضي في الثاني على معنى الخبر، فكأنهم لما أمروا بالإنطلاق امتثلوا ذلك فانطلقوا.

٣١ - ثم وصف سبحانه هذا الظل تهكمًا بهم: فقال:

٢ - {لَا ظَلِيلٍ}؛ أي: ليس بمظل، فلا يبقى من حر ذلك اليوم، فهو وصف أخذ من الظل للتأكيد كنوم نائم لأنه في تقدير: لا ظل ظليل؛ أي: ليس بظل مظل من الحر. وتوصيف (٣) الظل بأنه لا يظل من حر ذلك اليوم، وهو حر النار، للدلالة على أن تسمية ما يغشاهم من العذاب بالظل استهزاء بهم، فإن شأن الظل أن يدفع عمن يستظل به مقاساة شدة الحر، وأن ينفعه ببرده ونسيمه، والذي أمروا بالانطلاق إليه يضاعف عليهم ما هم فيه من الحر والعذاب، فضلًا عن أن يستريحوا ببرده أو رد لما أوهمه لفظ الظل من الاسترواح.

٣ - {وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ} أي: ولا يدفع من حرّ النار شيئًا؛ لأنّه في جهنم، فلا يظلهم من حرها، ولا يسترهم من لهيبها.

والمعنى: أي غير مغن لهم من حر اللهب كما يغني ظل الدنيا من الحر، فقوله: {لَا ظَلِيلٍ} في موضع الجر على أنه صفة لـ {ظِلٍّ}، ولفظ لا غير مانع للصفتية؛ أي: ظل غير ظليل، وغير مغن ومفعول {يُغْنِي} محذوف هو شيئًا، و {مِنَ} لبيانه، ويغني من أغنى عني وجهه؛ أي؛ أبعده؛ لأن الغني عن الشيء


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.