إيمانهم بنبيهم وكتابهم إيمانًا كاملًا .. لهداهم إلى التصديق بمن جاء مصدقًا لما معهم من الكتاب، وبين لهم ما نسوا منه، وما حرفوا فيه، كما جاء بمكارم الأخلاق، والسنن الكاملة في الاجتماع والتشريع، ولو اتبعوه .. كانوا على الهدى والرشاد، وعلى الحق والسداد، وقيل (١): المعنى لا يؤمنون إلا زمانًا قليلًا وهو زمان الاحتضار، فلا ينفعهم الإيمان وقتئذ، وبعضهم جعل قليلًا مستثنى من الهاء في لعنهم؛ أي: إلا نفرًا قليلًا، فلا يلعنهم الله لأنهم لم يفعلوا ذلك، بل كانوا مؤمنين كعبد الله بن سلام وأصحابه.
٤٧ - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}؛ أي: يا أيها اليهود والنصارى، الذين أعطوا "التوراة" و"الإنجيل"{آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا}؛ أي: صدقوا واتبعو "القرآن"، الذي نزلنا على عبدنا محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، حالة كون "القرآن" المنزل على محمَّد - صلى الله عليه وسلم - {مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ}؛ أي: موافقًا "للتوراة" و"الإنجيل" اللذين معكم، في الدعوة إلى التوحيد، والأمر بالابتعاد عن الشرك، وفي القصص والمواعيد، والأمر بالعدل بين الناس، والنهي عن المعاصي والفواحش، ما ظهر منها وما بطن، وتلك هي أصول الدين وأركانه، والمقصد الأسمى من إرسال جميع الرسل، ولا خلاف بينهم في ذلك، وإنما الخلاف في التفاصيل، وطرق حمل الناس عليها، وهدايتهم بها، وترقيتهم في معارج الفلاح، بحسب السنن التي وضعها الله تعالى في ارتقاء البشر، بتعاقب الأجيال واختلاف الأزمان.
{مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا}؛ أي: من قبل أن نمحو تخطيط صورها، من عين وحاجب وأنف وفم، وقرأ الجمهور:{نَطْمِسَ} بكسر الميم، وقرأ أبو رجاء: بضمها وهما لغتان، {فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا}؛ أي: فنجعلها على هيئة أقفائها؛ أي: آمنوا من قبل أن يحل بكم العقاب، من طمس الوجوه، والرد على الأدبار، أو من قبل أن نطمس وجوه مقاصدكم، التي توجهتم إليها من كيد الإِسلام، ونردها خاسرة إلى الوراء، بإظهار الإِسلام ونصره عليكم، وقد كان لهم