لقومه، ومما يؤيد هذا ما رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (تلا قول الله تعالى في إبراهيم عليه السلام: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} الآية، وقول عيسى عليه السلام: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١١٨)}، فرفع يديه إلى السماء وقال:"اللهم أمتي أمتي"، وبكى، فقال الله عز وجل: يا جبريل، اذهب إلى محمد - وربك أعلم - فسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل وسأله فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما قال - وهو أعلم - فقال الله: يا جبريل، اذهب إلى محمد، فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك).
وما رواه البخاري عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"ألا وإنه يجاء برجال من أمتي يوم القيامة، فيؤخذ بهم ذات اليمين وذات الشمال، فأقول: أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح:{وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} إلى قوله: {الْحَكِيمُ} قال: فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم".
وما رواه أحمد والنسائي وابن مردويه: أنه - صلى الله عليه وسلم - قام بهذه الآية:{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ...} الآية، حتى أصبح، يركع بها ويسجد، فسأله أبو ذر عن ذلك فقال:"إني سألت ربي الشفاعة فأعطانيها، وهي نائلة إن شاء الله من لا يشرك بالله شيئًا".
فهذه الأحاديث صريحة في أن الشفاعة لا ينالها أحد يشرك بالله شيئًا.
١١٩ - قوله:{قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ ...} كلام مستأنف ختم به حكاية ما حكى مما يقع يوم يسأل الله الرسل عليهم السلام؛ أي: قال الله سبحانه وتعالى: هذا اليوم - يعني: يوم القيامة - هو {يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ}؛ أي: إن هذا اليوم هو اليوم الذي ينفع فيه الصادقين صدقهم في الدنيا في إيمانهم، وفي شهاداتهم وفي سائر أقوالهم وأحوالهم. والمعنى: إن صدقهم في الدنيا ينفعهم في الآخرة؛ لأنه يوم الإثابة والجزاء، وما تقدم من صدقهم في الدنيا يتبين نفعه يوم القيامة، والمراد بالصادقين: النبيون والمؤمنون؛ لأن الكفار لا ينفعهم صدقهم يوم القيامة.