للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

صنيعه، وعدم تأثره، وإن فعله فعل الجاهل بالشّرع، أو الأحمق الخالي عن العقل. والمراد (١) بها: حثّ الواعظ على تزكية النفس، والإقبال عليها بالتكميل؛ لتقوم بالحق، وتقيم غيرها، لا منع الفاسق من الوعظ، فإن الإخلال بأحد الأمرين المأمور بهما، لا يوجب الإخلال بالآخر.

ويروى أنه كان عالم من العلماء، مؤثّر الكلام، قويّ التصرف في القلوب، وكان كثيرا ما يموت من أهل مجلسه واحد، أو اثنان من شدة تأثير وعظه. وكان في بلده عجوز لها ولد صالح، رقيق القلب، سريع الانفعال، وكانت تحترز عليه، وتمنعه من حضور مجلس الواعظ، فحضره يوما على حين غفلة منها، فوقع من أمر الله تعالى ما وقع، ثمّ إن العجوز لقيت الواعظ يوما في الطريق فقالت:

أتهدي الأنام ولا تهتدي ... ألا إن ذلك لا ينفع

فيا حجر السّنّ حتى متى ... تسنّ الحديد ولا تقطع

وأشدّ (٢) ما قرّع الله سبحانه في هذا الموضع، من يأمر بالخير ولا يفعله من العلماء الذين هم غير عاملين بالعلم، فاستنكر عليهم أوّلا أمرهم للناس بالبرّ، مع نسيان أنفسهم في ذلك الأمر الذي قاموا به في المجامع، ونادوا به في المجالس؛ إيهاما للناس بأنهم مبلغون عن الله ما يتحمّلونه من حججه، ومبيّنون لعباده ما أمرهم ببيانه، وموصلون إلى خلقه ما استودعهم وائتمنهم عليه،

وهم أترك الناس لذلك، وأبعدهم من نفعه، وأزهدهم فيه.

وهذا الخطاب (٣) وإن كان موجها إلى اليهود، فهو عبرة لغيرهم، فلتنظر كل أمة أفرادا وجماعات في أحوالها، ثم لتحذر أن يكون حالها كحال أولئك القوم، فيكون حكمها عند الله حكمهم، فالجزاء إنما هو على أعمال القلوب والجوارح، لا على صنف خاص من الشعوب والأفراد.

٤٥ - وبعد أن بيّن سبحانه


(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.