للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لدلالة جواب القسم عليه. {وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ}؛ أي: في شأنكم. وهو (١) معطوف على جملة {لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ}، وكذا قوله: {وَإِنْ قُوتِلْتُمْ}. فمقولهم ثلاث جمل. {أَحَدًا} يمنعنا من الخروج معكم من محمد وأصحابه {أَبَدًا} وإن طال الزمان. وهو ظرف للنفي لا للمنفي، ونصبه على الظرفية، وهو (٢) لاستغراق المستقبل، كما أن الأزل لاستغراق الماضي. ولاستعمالهما في طول الزمانين جدًّا قد يضافان إلى جمعهما، فيقال: أبد الآباد وأزل الآزال، وأما السرمد: فلاستغراق الماضي والمستقبل، يعني: لاستمرار الوجود لا إلى نهاية في جانبهما.

ثم لما وعدوهم بالخروج معهم .. وعدوهم بالنصرة لهم، فقالوا: {وَإِنْ قُوتِلْتُمْ}؛ أي: قاتلكم محمد وأصحابه، حذفت منه اللام الموطئة. {لَنَنْصُرَنَّكُمْ}؛ أي: لنعاوننكم على عدوكم، ولا نخذلكم. ثم كذبهم سبحانه، فقال: {وَاللَّهُ} سبحانه {يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} في مواعيدهم المؤكدة بالأيمان الفاجرة، من الخروج معهم والنصرة لهم.

١٢ - ثم لما أجمل كذبهم فيما وعدوا به .. فصّل ما كذبوا فيه، فقال: {لَئِنْ أُخْرِجُوا} قهرًا وإذلالًا {لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ} وهذا مع ما بعده تكذيب لهم في كل واحد من أقوالهم على التفصيل بعد تكذيبهم في الكل على الإجمال بقوله: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}. {وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ} وكان الأمر كذلك، فإن ابن أبيّ وأصحابه أرسلوا إلى بني النضير، وذلك سرًا ثم أخلفوهم، يعني: أن ابن أبيّ أرسل إليهم: لا تخرجوا من دياركم، وأقيموا في حصونكم، فإن معي ألفين من قومي وغيرهم من العرب يدخلون حصنكم، ويموتون عن آخرهم قبل أن يوصل إليكم، وتمدكم قريظة وحلفاؤكم من غطفان. فطمع بنو النضير فيما قاله اللعين، وهو جالس في بيته، حتى قال أحد سادات بني النضير - وهو سلّام بن مشكم - لحي بن أخطب الذي كان هو المتولي لأمر بني النضير: والله يا حيي! إن قول ابن أبيّ لباطل وليس بشيء، وإنما يريد أن يورطك في الهلكة حتى تحارب محمدًا، فيجلس في بيته ويتركك. فقال حيي: نأبى إلا عدواة محمد، وإلا قتاله. فقال سلام: فهو والله جلاؤنا من أرضنا، وذهاب أموالنا وشرفنا، وسبي ذرارينا مع قتل مقاتلينا. فكان ما كان كما سبق في


(١) الفتوحات.
(٢) روح البيان.