للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ...} الآية. وقوله: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢)} وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "سيشتد الأمر باجتماع الأحزاب عليكم" إلخ، وقوله: "إنهم سائرون إليكم تسعًا أو عشرًا"؛ أي: في آخر تسع ليال أو عشر من حين الأخبار، وصدق الله ورسوله في النصرة والثواب، كما صدق الله ورسوله في البلاء والاختبار، وما زادهم ذلك إلا صبرًا على البلاء، وتسليمًا للقضاء، وتصديقًا بتحقيق ما كان الله ورسوله وعدهم. ووجه إظهار الاسم الشريف والرسول في قوله: {وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} بعد قوله: {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ} هو قصد التعظيم كما في قول الشاعر:

أرَى الْمَوْتَ لَا يَسْبِقُ الْمَوْتَ شَيْءٌ

وأيضًا لو أضمرهما .. لجمع بين ضمير الله وضمير رسوله في لفظٍ واحدٍ، وقال صدقا، وقد ورد النهي عن جمعهما، كما في حديث: "بئس خطيب القوم أنت" لمن قال: ومن يعصهما فقد غوى،

٢٣ - ثم وصف سبحانه بعض الكملة من المؤمنين الذين صدقوا عند اللقاء واحتملوا البأساء والضراء بقوله:

{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}؛ أي: من المؤمنين المخلصين لله، المصدقين برسوله {رِجَالٌ} كمله، فالتنوين فيه للتعظيم، والكمال {صَدَقُوا} ووفوا {مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}؛ أي: أوفوا بما عاهدوا الله عليه، ونذروا على أنفسهم من الثبات مع الرسول، والمقاتلة لإعلاء الدين، والصبر في اللأواء وحين البأساء؛ أي (١): حققوا العهد بما أظهروه من أفعالهم، وهم عثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وحمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير وأنس بن النضر وغيرهم - رضي الله عنهم أجمعين - نذروا أنهم إذا لقوا حربًا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. ثبتوا وقاتلوا حتى يستشهدوا.

وقيل المعنى (٢): أنهم وفوا بما عاهدوا عليه رسوله - صلى الله عليه وسلم - ليلة العقبة، من الثبات معه، والمقاتلة لمن قاتله، بخلاف من كذب في عهده، وهم المنافقون.


(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.