للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ}؛ أي: خيانة منهم، والخيانة: مخالفة الحق، بنقض العهد في السر، ونقيضها الأمانة، والمراد هنا: استراق النظر إلى غير المَحْرم، كفعل أهل الريب والنظرة الثانية إليه.

وفي الخبر: "يا ابن آدم، لك النظرة الأولى معفوة" لوقوعها مفاجأةً دون الثانية، لكونها مقارنة للقصد وهي منْ قبيل زنى النظر، وذلك لأن النظر سهم مسموم من سهام إبليس، والنظرة تزرع في القلب شهوة وكفى بها فتنةً.

والمعنى: أي يعلم ربكم ما خانت أعين عباده، وما نظرت به إلى ما لا يحل، كما يفعل أهل الريب.

قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -: في الآية هي الرجل يكون في القوم، فتمر بهم المرأة، فيريهم أنه يغض بصره عنها، وإذا غضوا .. نظر إليها، وإذا نظروا .. غض بصره عنها، وقد اطلع الله من قلبه أنه ود أن ينظر إلى عورتها. أخرجه ابن أبي شيبة وابن المنذر.

وقال الشوكاني: {خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ} (١): هي مسارقة النظر إلى ما لا يحل النظر إليه، وهذه الجملة خبر آخر لقوله: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ}؛ قال المؤرخ: فيه تقديم وتأخير؛ أي: يعلم الأعين الخائنة، وقال قتادة: {خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ}: الغمز بالعين فيما لا يحب الله، وقال الضحاك: هو قول الإنسان: ما رأيت وقد رأى، ورأيت وما رأى، وقال سفيان: هي النظرة بعد النظرة، والأول: أولى، وبه قال مجاهد. اهـ.

{و} يعلم سبحانه {مَا تُخْفِي الصُّدُورُ} والقلوب من الضمائر وتسره من معاصي الله؛ أي: لا يخفى عليه شيء من أمورهم، حتى ما يحدّثون به أنفسهم، وتضمره قلوبهم خيرًا كان أو شرًا، فقوله: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ} في قوة التعليل للأمر بالإنذار.

٢٠ - {وَاللَّهُ} سبحانه وتعالى: {يَقْضِي}؛ أي: يحكم {بِالْحَقِّ}؛ أي: بالصدق والعدل في حق كل محسن ومسيء، فيجازي كل أحد بما يستحقه من خير أو شر، ففيه تشديد لخوف المكلف.

والمعنى (٢): أي والله يحكم بالعدل في الذي خانته الأعين بنظرها، وأخفته


(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.