للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بمصالح عباده في أمر دينهم ودنياهم {حَكِيمٌ} فيما دبره لهم من أمورهم؛ أي: فبعلمه المحيط بما في الأكوان شرع لكم من الدين ما فيه مصلحتكم ومنفعتكم، وبحكمته لم يكلفكم بما يشق عليكم، وبما فيه الأذى والضرر لكم، وبها يقبل التوبة من عباده ويعفو عن السيئات

٢٧ - {وَاللَّهُ} سبحانه وتعالى {يُرِيدُ} بما كلّفكم به من تلك الشرائع {نْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ}؛ أي: أن يطهركم من الذنوب ويزكي نفوسكم من الأدناس، قال ابن عباس: معناه: يريد أن يطهركم من كل ما يكرهُ إلى ما يحب ويرضى، وقيل: معناه يدلكم على ما يكون سببًا لتوبتكم التي يغفر لكم بها ما سلف من ذنوبكم. {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ} المحرمة ويستبيحونها ويفعلونها. قيل: هم (١) اليهود والنصارى، وقيل: هم اليهود خاصة؛ لأنهم يقولون: إن نكاح بنت الأخ من الأب حلال، وقيل: هم المجوس؛ لأنهم يستحلون نكاح الأخوات، وبنات الإخوة، فلما حرمهن الله تعالى .. قالوا: إنكم تحلون بنت الخالة، وبنت العمة، والخالة والعمة عليكم حرام، فانكحوا بنات الأخ والأخت، فنزلت هذه الآية، وقيل: هم الزناة يريدون أن تكونوا مثلهم. {أَنْ تَمِيلُوا} وتعدلوا عن الحق، وقصد السبيل {مَيْلًا} بموافقتهم على اتباع الشهوات، واستحلال المحرمات {عَظِيمًا}؛ أي: بينًا بالنسبة إلى ميل من اقترف خطيئة، على ندور غير مستحل لها؛ أي: أن تخطئوا خطأً عظيمًا بنكاح الأخوات من الأب ونحوها، لقولهم: إنه حلال في كتابنا، وبمشاركتهم في اتباع الشهوات، فإن الزاني يحب أن يشركه في الزنا غيره، ليفرق اللوم عليه وعلى غيره، ومتبعوا الشهوات هم الذين يدورون مع شهوات أنفسهم، وينهمكون فيها، فكأنها أمرتهم باتباعها فامتثلوا أمرها، فلا يبالون بما قطعوا من حقوق الأرحام، ولا بما أزالوا من مودة القرابة، فليس مقصدهم إلا التمتع باللذة.

وأما الذين يفعلون ما يأمر به الدين: فليس غرضهم إلا امتثال أوامره، لا اتباع شهواتهم، ولا الجري وراء لذاتهم، وقرأ الجمهور أن تميلوا بتاء الخطاب، وقرىء بالياء على الغيبة، فالضمير في {يميلوا} يعود على الذين يتبعون


(١) الخازن.